الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة يقول أشهدكم أن بقية ثلثي في سبيل الله أو لفلان ثم يموت ولم يوص بشيء: قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم أوصى، وتكررت أيضا في رسم بع، وتأتي في رسم جاع، وفي سماع محمد بن خالد، وبالله التوفيق. .مسألة أوصى الرجل لقوم بوصايا: قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأنه لما أقر بالمائة عليه دينا، فلم يرد أن تكون الوصايا إلا فيما بعدها، أجازها الورثة للمقر له بها، أو لم يجيزوها له، وبالله التوفيق. .مسألة أوصى بوصية لرجل غائب فمات الموصي ومات الموصى له: قال محمد بن رشد: هذا كله كما قال، وهو بين لا إشكال فيه، والحمد لله. .مسألة أوصى بوصايا لقوم وأوصى لرجل ببقية ثلثه: قال ابن القاسم: وإن مات أحد العبيد، أو استحق أحدهم بحرية، أو استحق فأخذوا له قيمة، أو رد أحد من أهل الوصايا ما أوصى له به، فأبى أن يقبله، لم يكن للذي أوصى له ببقية الثلث في ذلك شيء، ويدخل في الثلث قيمة الميت، وثمن الذي استحق بالحرية، ويكون ذلك للورثة، فإن فضل من الثلث عن الوصايا عن ثمن العبد شيء، وكان له، وإلا فلا شيء له. قال ابن القاسم: وهذا مخالف للذي حبس الدار والعبد؛ لأن الميت حين أوصى ببقية الثلث، قد علم أن ذلك الحبس راجع، وأن ثمن هذا العبد الذي استحق بالحرية، كأنه مال طرأ له من موروث، أو صدقة أو هبة، فلم يعلمه، ولم يدخله في الثلث، فكذلك الذي استحق الحرية. قال: ولا يدخل فيه أهل الوصايا أيضا في المال الطارئ. قال محمد بن رشد: قوله في الذي أوصى بوصايا، وأوصى لرجل ببقية ثلثه، ثم أوصى بعد أيام بعتق ووصايا: إنه ليس للموصى له ببقية الثلث، إلا ما فضل عن وصايا الأولين والآخرين، مثله في رسم الصلاة، من سماع يحيى، وفي آخر سماع موسى بن معاوية، ومعناه على ما فسره محمد بن المواز إذا أوصى بوصايا لرجل، وأوصى بما بقي من ثلثه لغيره، ولم يقل: وما بقي من ثلثي بعدها لفلان؛ لأنه إذا قال: وما بقي من ثلثي لفلان، فإنما معناه وما بقي من ثلثي بعدما نوصي به بعد هذا فهو لفلان، وأما إذا أوصى بوصايا لرجل وقال: ما بقي من ثلثي بعدها لفلان، ثم أوصى بعد ذلك بوصايا، فلا تبدأ الوصايا الثانية على الموصى له ببقية الثلث، وإنما تبدأ الوصايا الأول على الموصى له ببقية الثلث، فيتحاص في الثلث الموصى له ببقية الثلث، والموصى له بالوصايا الأول. والموصى له بالوصايا الأخيرة، فما حصل من الثلث في المحاصة للموصى له ببقية الثلث كل منه للوصايا الأول بقية وصاياهم؛ لأنه إنما له ما فض عن وصاياهم، مثال ذلك أن يكون الثلث ثلاثين، ويكون قد أوصى لرجل بعشرة، وأوصى لرجل آخر بما بقي من الثلث بعد العشرة، وأوصى لثالث بعشرة، فيتحاصون كلهم في الثلث، يضرب فيه الموصى له أولا بعشرة، والموصى له ببقية الثلث بعشرين، والموصى له آخرا بعشرة، فيجب للموصى له أولا سبعة ونصف، وللموصى ببقية الثلث خمسة عشر، وللموصى له آخرا سبعة ونصف، ويقال للموصى له ببقية الثلث: أكمل للموصى له أولا عشرة مما صار لك؛ لأنه مبدأ عليك بعشرة، فيدفع إليه اثنين ونصفا تتمة العشرة التي أوصى له بها، ويبقى له اثني عشر ونصفا، وإن شئت ضربت للموصى له أولا، وللموصى له ببقية الثلث، بمبلغ وصاياهم جميعا، وذلك ثلاثون، وضربت للموصى له آخرا بعشرة، فيخرج للموصى له آخرا سبعة ونصف، وللموصى له أولا مع الموصى له ببقية الثلث اثنان وعشرون ونصف، يأخذ الموصى له منها أولا عشرة كاملة؛ لأنه مبدأ عليه بها. ويبقى له اثنا عشر ونصف، وإن كانت الوصية الآخرة عتقا كان مبدأ على جميع الوصايا، ولم يكن للموصى له ببقية الثلث إلا ما فضل عن الوصيتين جميعا الأولى والآخرة؛ لأن الأولى تبدأ عليه بما أوصى به الموصى، والثانية بما يوجبه الحكم من تبدئة العتق على الوصايا؛ فهذا وجه القول في هذه المسألة، وأما قوله في الرواية عن ابن القاسم: وإن مات أحد العبيد أو استحق أحدهم بحرية أو استحق، فأخذ له قيمة إلى آخر المسألة، فقد مضى القول عليه في أول مسألة من الرسم، وفي التي بعدها، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك، وبالله التوفيق. .مسألة يوصي أن يشترى عبد بخمسين دينارا من ماله فيعتق: قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ إذ لا يجوز أن يتعدى ما أوصى به الميت، ويخالف أمره في وصيته، ومن فعل ذلك وجب عليه الضمان؛ لقول الله عز وجل: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: 181]، ولو وصف الموصي العبد أجزأهم شراء تلك الصفة بأي ثمن كان، ولو اشترى الوصي بتلك الدنانير عبدين على تلك الصفة ضمن نصف الدنانير للورثة إن كان اشتراهما صفقة واحدة، وهما سواء، وإن كانت إحداهما أفضل من الثانية، ضمن ما ينوب الأدنى منهما، وإن كان اشتراهما في صفقتين، ضمن ثمن الثانية، وأجرى الأولى عن الميت إذا كان على الصفة، وأما إذا كان العبد غير موصوف، فعلى ما قال في الرواية، وبالله التوفيق. .مسألة أوصى الرجل لعبده بثلث ماله: قال محمد بن رشد: قوله: إذا أوصى لعبده بثلث ماله: إنه يعتق جميعه في الثلث إن حمله الثلث، وإن لم يحمله، وكان له مال عتق على نفسه بقيته في ماله، هو مثل ما تقدم في رسم أخذ يشرب خمرا، من سماع ابن القاسم، ومثل قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة. وفي ذلك من الاختلاف ما قد ذكرته في رسم أخذ يشرب خمرا المذكور. وأما قوله: ولو أوصى بعتق ثلثه، وأوصى له ببقية ثلثه؛ أنه لا يعتق منه إلا ثلثه الذي سمى، وكانت له بقية ثلثه، بمنزلة إذا أوصى بعتق ثلثه، وأوصى له بدنانير، فلا اختلاف في أنه لا يعتق على العبد ببقيته، لا فيما أوصى له به من بقية ثلثه، ولا من الدنانير التي أوصى له بها، ولا في مال إن كان له سواه؛ لأنه إذا أوصى بعتق ثلث عبده، وأن يعطى بقية ثلث ماله، فلم يملك بذلك شيئا من رقبته، وكذلك قال في رسم الصبرة من سماع يحيى: إذا أوصى بعتق ثلثه، وأن يعطى ثلث بقية ماله؛ أنه لا تعتق بقيته فيما أوصى له به من ثلث بقية ماله، وفي ذلك من قوله نظر؛ لأن ثلثي رقبته من بقية ماله، فإذا أوصى له بثلث بقية ماله، فقد أوصى له بثلث الثلثين الباقيين من رقبته، فوجب على قياس قوله: أن يعتق على نفسه ثلث الثلثين الباقيين من رقبته؛ لأنه قد ملكه ذلك؛ إذ أعطاه ثلث ما بقي من ماله، وإذا أعتق على نفسه شيئا منه؛ وجب أن يقوم عليه بقيته في ماله على قياس قوله، فلم يفرق على ما في رواية يحيى بين أن يوصى له بعتق ثلثه، وبثلث ما بقي من ماله، وبين أن يوصي له بعتق ثلثه، وببقية ثلث ماله، وهما يفترقان في وجه القياس والنظر على ما بيناه، وبالله التوفيق. .مسألة أوصى لهذا العبد بثلث ماله وأوصى بعتق عبد آخر: قال محمد بن رشد: هذا بين على مذهبه في أن ثلث العبد إنما يعتق على نفسه، ولذلك تقوم عليه بقيته في بقية الثلث، وفي مال إن كان له سواه. ويأتي على قياس قول ابن وهب الذي يرى أن ثلث العبد، إنما يعتق بوصية الميت لا على العبد، ولذلك لا تقوم عليه بقيته في بقية الثلث، إلا أن تبدأ الوصية بعتق العبد على عتق ثلثه، وأن يسهم بينهما في ذلك، وأما على بقية ثلثه فيبدأ على كل حال باتفاق؛ لأنها وصية لمال، وبالله التوفيق. .مسألة أوصى لهذا العبد بثلث ماله وأوصى لقوم بوصايا: قال محمد بن رشد: في سماع أبي زيد خلاف هذا: إنهما يتحاصان، فإن كانت الوصايا الثلث بينهما بنصفين، فما صار للعبد منه عتق فيه. هذا معنى قوله؛ فقوله في هذه الرواية: إن العبد الموصى له بالثلث يبدأ به على جميع الوصايا، هو على قياس رواية ابن وهب عن مالك، في أن العبد الموصى له بثلث المال، يقوم فيه، لا فيما سواه من ماله؛ لأن وجه هذا القول أن الميت لما أوصى له بثلث ماله، فكأنه قصد إلى حريته، فوجب أن يبدَّأَ على مسألة الوصايا. وقوله في سماع أبي زيد: إنهما يتحاصان، هو على قياس قوله وروايته عن مالك في المدونة، وفي رسم أخذ يشرب خمرا، من سماع ابن القاسم؛ أنه يعتق ثلث نفسه، ويعتق باقيه في بقية الثلث، وفي مال، إن كان له مال سواه؛ لأن الوصية له بالثلث على هذا القول وصية بمال؛ إذ لا يعتق شيء منه إلا على العبد، فوجب أن يتحاصا. ويتخرج في المسألة على قياس قول ابن وهب في أنه لا يعتق من العبد إذا أوصى له بثلث المال إلا ثلثه، ولا يقوم شيء منه في بقية الثلث، ولا في مال إن كان له أن يبدأ منه على الوصايا ثلثه الذي يعتق بوصية الميت، ويحاص أهل الوصايا ببقية الثلث بالثلث، حين ملك من رقبته شيئا. .مسألة أوصى لعبده بربع رقبته فكان للعبد مال: قال محمد بن رشد: هذا بين على مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك؛ لأنه إذا أعتق الربع الذي أوصى له به منه، عتق سائره عليه في ماله إن كان له مال، وعلى مذهب ابن وهب لا يقوم بقيته عليه في ماله؛ لأنه يرى العتق في ذلك بوصية الميت لا محل العبد، وبالله التوفيق. .مسألة أوصى لعبده بعتق ثلثه أو ربعه أو جزء منه: قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لا اختلاف فيه، والحمد لله. .مسألة أوصى لعبد له بثلث ماله: وقال في رجل أوصى لعبد له بثلث ماله، قال: يجعل ذلك في رقبته، فإن حمله الثلث عتق وأعطى ما فضل من الثلث، إن كان فيه فضل من رقبته، وإن قصر عنه الثلث، عتق منه قدر ما وسع الثلث، وكان ما بقي رقيقا للورثة، وإن أوصى العبد بدنانير مسماة، أو دابة من دوابه؛ أنه يعطاه العبد، ولا يعتق في ذلك؛ لأنه مال مسمى لم يدخل ذلك في رقبة. قال سحنون: إنما هذا إذا أوصى له بدنانير، يكون أقل من ثلث ماله، فحينئذ يعطى العبد، ولا يعتق فيها، فأما لو أوصى له بدنانير، تكون أكثر من ثلث ماله، لعتق فيها، وكان بمنزلة ما لو أوصى له بثلث ماله أو بجزء منه، وهذا معنى قول ابن القاسم: وهي مسألة جيدة، وقال أصبغ في مسألة الدنانير كقول سحنون سواء. قال محمد بن رشد: قد تقدم الكلام في الرسم الذي قبل هذا، وفي رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم في الذي يوصي لعبده بثلث ماله، فلا معنى لإعادة الكلام في ذلك. وأما قول سحنون وأصبغ إذا أوصى له بدنانير مسماة، أو بدابة من دوابه هي أكثر من الثلث: إنه يعتق في ذلك، بمنزلة ما لو أوصى له بثلث ماله أو بجزء منه، فمعناه عندهما: إذا لم يجز ذلك الورثة وقطعوا له بالثلث في كل شيء، إلا أنه قال: إنما ذلك لحرمة العتق، استحسان. والقياس أن يعطى من نفسه ثلثها، ومن كل شيء ثلثه يريد: ولا يعتق منه إلا الثلث الذي أعطى من نفسه، والأمر عندي بعكس ذلك، بل القياس إذا أعتق عليه من نفسه ثلثها، أن يعتق عليه باقية في بقية الثلث، والاستحسان إنما هو ألا يعتق عليه إلا الثلث الذي أعطى من رقبته، إنما هذا على أحد قولي مالك في أن الموصى له بشيء بعينه، وهو أكثر من الثلث، إذا لم يجز ذلك الورثة، فقطعوا له بالثلث من كل شيء، وأما قوله الآخر: إن الثلث يجعل له في الشيء الذي أوصى له به، فلا يعتق منه شيء؛ لأن ذلك يكون على هذا القول بمنزلة إذا أجازوا له الوصية، لا يعتق منه شيء، وقد حمل ابن دحون قول سحنون في هذه الرواية على ظاهره، من أنه إذا كان العبد والدنانير التي أوصى له بها، أكثر من الثلث، يعتق فيها، أجاز الورثة الوصية، أو لم يجيزوها، فقال: لما أوصى بدنانير هي أكثر من ثلثه، دل على أنه أراد الثلث وزيادة، فكأنه أوصى بثلث ماله مبهما؛ ألا ترى أن الورثة إن أبوا أن يجيزوا لزمهم إجازة الثلث؟ وهو بعيد، لا يصح بوجه؛ لأنهم إذا أجازوا لم يجب له في نفسه شيء، فلا يصح أن يعتق عليه منه شيء، وبالله التوفيق. .مسألة أوصى لعبده بثلث ماله وللعبد ولد: قال محمد بن رشد: قول سحنون في هذه المسألة قياس ما تقدم من قول ابن القاسم في رسم أسلم قبل هذا في الذي يوصي لعبده بثلث ماله، ويوصي بوصايا؛ أن العبد الموصى له بثلث الميت، يبدأ على أهل الوصايا. ويأتي فيها على قياس رواية أبي زيد، في أنه لا يبدأ على الوصايا، ويتحاصان ولا يبدأ الأب على الابن، ولا الابن على الأب، فيعتق من الأب ثلثه؛ لأنه ملك بالوصية ثلث نفسه، ومن الابن ثلثه أيضا؛ لأنه ملك بالوصية أيضا ثلثه؛ لأنه من مال الميت الذي أوصى له بثلثه، ثم يعتق من كل واحد منهما في بقية الثلث ما حمل منهما بالسوية، لا يبدأ فيه أحدهما على صاحبه، كمن أعتق شقصا له في عبدين، وليس له من المال ما يحمل أن يقوما فيه عليه جميعا، فيقوم منهما جميعا ما حمله بالحصص، ولا يبدأ أحدهما على صاحبه، وبالله التوفيق. .مسألة يقول عند موته بيعوا غلامي هذا بثلاثين دينارا: وسألته عن الرجل يقول عند موته بيعوا غلامي هذا بثلاثين دينارا، وأعطوا فلانا منها عشرة دنانير، فيبيع ذلك العبد بأدنى أو بأكثر، قال: إن بيع بثلاثين أو بأكثر، فله العشرة فقط، وإن بيع بدون ثلاثين وأكثر من عشرين، فإنما له ما زاد على عشرين دينارا أو دينارين، أو ما زاد؛ لأنه إنما له ما بين العشرين إلى الثلاثين إن زاد شيئا على عشرين، وإن بيع بعشرين أو بأدنى لم يكن له قليل ولا كثير؛ لأنه إنما أوصى له بعد إخراج عشرين، فلا شيء له. قال محمد بن رشد: في سماع محمد بن خالد، عن ابن القاسم: أنه إن بيع بأقل مما سمى كان للموصى له مما بيع به ما يقع العدد الذي أوصى له به مما سمى أن يباع به، فيكون له في هذه المسألة على هذا القول؛ أن بيع العبد بأقل من الثلاثين ثلث ما بيع به، وإن بيع بأقل من عشرين، وقال أشهب في السماع المذكور: له مما بيع به ما سمى له كاملا، وإن بيع بأقل مما سمى له فجميع ذلك له. قال محمد بن رشد: فحمل ابن القاسم في هذه الرواية أمر الموصي على أنه إنما سمى ما يباع به العبد احتياطا على الورثة، مخافة أن يباع بأقل مما سمى، فلا يبقى لهم من ثمنه القدر الذي أراده، فلم ير للموصى له أن يبيع بأقل من ثلاثين، إلا ما زاد على عشرين؛ لأنه على هذا التأويل، إنما أوصى له بعشرة، شرط أن يباع بثلاثين أو أكثر، فإن بيع بأقل، كان النقصان عليه لا على الورثة، وحمل أشهب في سماع محمد بن خالد، أمر الموصي، على أنه إنما سمى ما يباع به العبد احتياطا على الموصى له؛ لئلا ينقص مما أوصى له به إن بيع بأقل مما سمى، وكأنه قال: أعطوا فلانا من ثلثي من ثمن هذا العبد كذا وكذا، وإن لم يبيعوه إلا بكذا وكذا، فلم يسر للورثة إلا ما زاد على مما أوصى له به، ولا يصح أن يحمل أمر الموصي على أحد الوجهين دون الآخر إلا بقرينة تدل على ذلك من بساط تخرج عليه الوصية، أو ما أشبه ذلك مما تبين به قصد الموصي من إرادة الرفق بورثته في ذلك، أو بالموصى له، فإن لم يتبين من قصد الموصي أحد الوجهين دون الآخر، وجب أن يرجع ذلك إلى التحاص على ما قاله ابن القاسم في سماع محمد بن خالد، فيحمل قول ابن القاسم في هذه الرواية على أنه تبين له من قصد الموصي ما خرج جوابه عليه، ويحمل قول أشهب على أنه تبين له من قصد الموصي ما خرج جوابه عليه، ويحمل قول ابن القاسم في سماع محمد بن خالد على أنه لم يتبين له من قصد الموصي أحد الوجهين دون الآخر، فلا يكون بين الروايات على هذا الاختلاف إلا بسبب اختلاف المعاني عندهم، وبالله التوفيق. .مسألة أوصى في جارية له أن تخير: قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة في رسم طلق من سماع ابن القاسم، ومضى الكلام عليها هناك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. .مسألة يوصي فيقول لفلان عشرة دنانير ثم يقول أنا أريد أن أوصي غدا: قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة، والقول فيها في رسم أوصى، ومضت أيضا في رسم بع ورسم أسلم. وتأتي في سماع محمد بن خالد، وبالله التوفيق. .مسألة يموت عن مائة دينار وعليه مائة دينار دين وقد أوصى بوصايا: قال: يقضى الدين من هذه المائة التي علم، وتسقط جميع الوصايا، إلا أن يكون مدبرا، فإنه يعتق فيما علم، وفيما لم يعلم، وإنما ينظر أبدا إلى ما عليه من الدين، فإن أحاط الدين بالمال الذي علم، سقطت الوصايا، وكان المال الذي طرأ للورثة خالصا. قلت: وكذلك لو قتل عمدا كانت ديته مثل ما طرأ، لا تدخل فيه الوصايا، قال: نعم. الدية في العمد مثل مال طرأ. قال محمد بن رشد: لم يفرق ابن القاسم في هذه الرواية بين أن يكون المدبر في الصحة أو المرض، ومثله في رسم جاع من سماع عيسى من كتاب الديات، فظاهر ذلك أن المدبر في المرض، يدخل فيما لم يعلم به الميت من المال، وهو نص قوله في رواية عيسى عنه في المدنية خلاف قوله في المدونة: أن المدبر في الصحة هو الذي يدخل فيما لم يعلم به الميت من المال، وقوله: فإنه يعتق فيما علم، وفيما لم يعلم، يريد بعد إخراج الدين مما علم، وكذلك في رسم جاع من سماع عيسى، من كتاب الديات، فعلى ما قاله في المسألة، من أنه مات عن مائة، وعليه دين مائة، لا يعتق المدبر كله إلا في المال الطارئ، وإنما يعتق فيما علم وفيما لم يعلم، إذا بقي من المال الذي علم به بعد إخراج الدين بقية. مثال ذلك أن يترك مدبرا قيمته ثلاثون، وسبعين دينارا، وعليه دين ثمانون دينارا، ويوصي بوصايا، ويطرأ له بعد موته عشرون دينارا، فتخرج الثمانون دينار التي عليه دينا من جملة التركة، وهي مائة، ويعتق المدبر في العشرين التي علم بها، وهي الباقية من التركة بعد الدين، وفي العشرين الطارئة، فيفضل من العشرين التي علم بها خمسة الدنانير تكون لأهل الوصايا، ويبطل مما سوى ذلك من الوصايا، وتكون الخمسة دنانير الباقية من العشرين الطارئة للورثة، ولا يكون فيها لأهل الوصايا حق، وبالله التوفيق. .مسألة أوصى لرجل باثني عشر دينارا هي له عليه دين: قال ابن القاسم في رجل أوصى لرجل باثني عشر دينارا هي له عليه دين، وهو معدم، وأوصى لرجل آخر باثني عشر دينارا عينا تركها، ولا مال له غير ذلك، ولم يجز الورثة إلا الثلث، قال ابن القاسم: يخرج ثلث الاثني عشر العين، وهي أربعة، لأهل الوصايا، ويكون ثلثاها للورثة، ثم ينظر كم قيمة الاثني عشر الدين التي أوصى بها للذي هي عليه، فينظر كم قيمتها الساعة لو بيعت؟ فإن كانت قيمتها أربعة، ضرب الذي أوصى له بالاثني عشر التي عليه بأربعة؛ لأنها كأنها وصيته التي أوصى له بها، وضرب الذي أوصي له بالاثني عشر العين، باثني عشر سهما في هذه الأربعة التي هي ثلث عشر العين، فما صار للذي ضرب بالاثني عشر أخذه، وما صار للذي ضرب بالأربعة أخذ منه؛ لأنه من كان عليه دين فوجد له مال، أخذ منه، فيؤخذ منه فيوقف ويطرح عنه مثله من الذين عليه، ثم يرجع إلى ثلث الاثني عشر الدين، فيعاد فيها بالضرب كما صنع في الأولى سواء، يضرب الذي هي عليه بأربعة، ويضرب الذي أوصى له بالاثني عشر العين، باثني عشر سهما، يضربون بذلك في ثلثها وثلثاها للورثة، فثلثها أربعة، فيصير لصاحب الاثني عشر ثلاثة، ولصاحب الأربعة واحد، فما صار له من المحاصة طرح عنه من الدين الذي هو عليه، وهو دينار صار له، فيطرح دينار من الاثني عشر التي عليه، ويطرح آخر مكان الدينار الذي صار له في العين في المحاصة، فأخذ منه، فيبقى عليه عشرة، ثم يرجع الورثة، والذي أوصى له بالعين النقد، إلى هذا الدينار الذي وقف فتحاصون فيه، يضرب الورثة فيه بقدر مواريثهم، وهو ثمانية أسهم، ويضرب الموصى له بالنقد بثلاثة أسهم، وهو الذي يصير في المحاصة، ولا يضرب الموصي له بالدين الذي عليه معهم فيه بشيء؛ لأنه قد ضرب مرة، وحاص وإنما هذا شيء صار له في المحاصة، فأخذ منه في الدين الذي عليه، ثم ما اقتضى من العشرة الدين التي تبقى عليه فعلوا فيها مثل ذلك سواء، يضرب بما بقي لهم الورثة من الدين، والذي أوصى له بالنقد بما بقي له على ذلك، يقتسمون ما اقتضوا من شيء، فعلى ذلك يقسم، ولا يدخل الذي عليه الدين معهم في شيء من ذلك. قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة إذا تدبرت، وقد لحظها ابن أبي زيد في النوادر وقربها، فقال: يتحاصان في ثلث العين والدين، فإن كانت قيمة الاثني عشر الدين أربعة حاص بأربعة، والآخر باثني عشر، فلهذا ربع الثلث، ولهذا ثلاثة أرباعه، فيزول عنه ديناران، ويبقى عليه عشرة، فدينار سقط مما عليه، ودينار نابه من العين، أخذ منه، فيتحاص في هذا الدينار، الورثة والموصى له بالعين، على أحد عشر جزءا فلهذا ثلاثة، ولهم ثمانية، فعلى هذا يعمل لكل ما يقتضي من الآخر، ومذهب ابن كنانة أنه يحاص في الدين بالتسمية لا بالقيمة الذي أوصى بذلك لغير الغريم، أو أوصى به الغريم وهو عديم، كمن اشترى شقصا بثمن غال، فإنما يأخذه الشفيع بجميع الثمن، ومذهب ابن القاسم أنه يحاص بقيمة الدين شائعا في جميع مال الميت، وإن لم يكن عليه دين، إذا كان معدما، وفي المجموعة لابن القاسم: إن الدين الموصى به يقوم، وإن كان على مليء، فيتخرج في المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه ينظر إلى قيمة الخمسين التي أوصى له بها، وهي عليه، فإن حملها الثلث نفذت له الوصية، وإن لم يحملها كان الورثة بالخيار، بين أن يخيروا له الوصية، وبين أن يقطعوا له بالثلث كاملا شائعا في جميع مال الميت، كان مليا أو معدما، وهو قول ابن كنانة، وقد حكاه ابن المواز عن مالك وأصحابه. والثاني: أن للورثة أن يقطعوا له بالثلاثين التي هي الثلث في الخمسين التي عليه، ولا يقوم، مليا كان أو معدما، وهو ظاهر قوله في هذه الرواية. والثالث: الفرق في ذلك بين أن يكون مليا أو معدما. ولو كان الدين مؤجلا، لم يختلف وجوب تقويمه، ولا في أنه ليس للورثة أن يقطعوا له بالثلث في عدده، بمنزلة إذا كان عليه دين، وبالله التوفيق.
|