الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة كان له عليه صك بخمسين دينارا فتحمل عنه رجل ثم فلس: محمد بن أحمد:- مذهب أصبغ أن على الحميل العشرين الباقية، وهو قول ابن الماجشون، وابن كنانة، قالاه في الرجل يتزوج امرأة بمائة دينار، تأخذ منه حميلا بخمسين، فيطلقها قبل الدخول، إن لها أن تأخذ الحميل بالخمسين الواجبة لها قبل الزوج، خلاف قول ابن القاسم: إنها ترجع على الزوج بخمسة وعشرين دينارا، ولا فرق بين المسألتين على القول بأن الصداق يجب جميعه بالعقد، وأما على القول بأنه لا يجب بالعقد إلا نصف الصداق إن طلق قبل الدخول، يجب على الحميل جميع الخمسين، قولا واحدا. ووجه ما ذهبوا إليه، أن المتحمل له، يقول: إنما أخذته وثيقة من حقي، مخافة، ألا أجد عند الغريم وفاء منه. وقد مضى هذا المعنى والقول عليه مستوفى في سماع سحنون من كتاب النكاح، وفي رسم الكراء والأقضية من سماع أصبغ من كتاب المديان والتفليس. فقف على المسألة قي الموضعين. وبالله التوفيق. .مسألة يشتريان السلعة من الرجل ويكتب عليهما صكا أنه يأخذ حاضرهما بغائبهما: محمد بن رشد: قوله وذلك أنه لو تحمل للغريم بما على أحدهما، كان للغريم أن يتبع الحق كله، معناه: إذا عرف الحميل ما على كل واحد منهما من الشرط، وسائر المسألة بينة لا وجه للقول فيها، سوى ما ذكرناه من الاختلاف في إعمال الشرط، بأن يأخذ من شاء منهما بجميع حقه، في رسم نقدها قبل هذا فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. .مسألة لهما على رجل مائة إردب فتقاضى أحدهما حصته بغير إذن صاحبه: وقال في رجلين لهما على رجل مائة إردب فتقاضى أحدهما حصته بغير إذن صاحبه، فعلم به، فأتاه، فقال له: هبني إياها وأنا أضمن لك الخمسين التي بقيت لك، إن ذلك لا يحل، ولو كان يضمن له خمسا وعشرين إردبا قدر ما كان يصيبه مما كان قبض، لم يكن بذلك بأس. قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة في رسم البيع والصرف من أول سماع أصبغ من كتاب السلم والآجال، بزيادة من قول أصبغ وافق فيها ابن القاسم على قوله: ولو كان يضمن خمسة وعشرين قدر ما كان يصيبه مما قبض، لم يكن بذلك بأس، وفي ذلك من قولهما اعتراض بين قد ذكرناه، وبيناه هناك. فلا وجه لإعادته. والله الموفق. .مسألة يبتاع الرأس والدابة فيتحمل له رجل بالسرقة أو بعيب مسمى: قال عيسى سئل ابن القاسم عن الرجل يبتاع الرأس والدابة فيتحمل له رجل بالسرقة، أو بعيب مسمى، مما يخشى المبتاع أن يكون فيما ابتاع، ثم يظهر المبتاع بعد ذلك من السلعة على عيب غير الذي تحمل به، أيلزمه الحميل؟ قال: لا يلزم الحميل شيء من ذلك، إلا ما تحمل به من العيوب بعينها وسميت. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا إشكال فيه، إذ لا يلزم أحدا سوى ما التزم وبالله التوفيق اللهم لطفك. .مسألة الحميل ينكر الحمالة والمتحمل عنه غائب فيصالحه المتحمل لرضاه بالصلح: قال محمد بن رشد: حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون، أنه لا يرجع عليه ببقية حقه، إلا بعد يمينه بالله أنه ما صالح الحميل رضى بالصلح من جميع حقه، إلا أن يكون أشهد أنه إنما يصالح الحميل لإنكاره الحمالة، وأنه على حقه على الغريم، فلا يكون عليه يمين، واليمين يمين تهمة، فيجري الأمر في ذلك على الاختلاف في لحوق يمين التهمة، إلا أن يحقق عليه الغريم الدعوى فيحلف قولا واحدا. وبالله التوفيق. .مسألة يطلب الرجل في حق له فذهب معه إلى غريم المطلوب فيقول خذ من هذا حقك: قال محمد بن رشد: هذا كما قال لأن الحوالة بيع من البيوع، ينتقل الدين بها عن ذمة المحيل، إلى ذمة المحال عليه، فلا يكون ذلك إلا بيقين، وهو التصريح بلفظ الحوالة وما ينوب منابه، مثل أن يقول له: خذ من هذا حقك، وأنا بريء من دينك وما أشابه ذلك. وقد قال بعض الشيوخ: ولو قال له: اتبع فلانا بحقك علي كانت حوالة، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ومن اتبع على مليء فليتبع» قال: فلما أتى بلفظ يشبه النص، كان ذلك حوالة، إذا كان ذلك على المحال عليه، وليس ذلك ببين، وإنما البين في ذلك أن يقول له: قد اتبعتك على فلان، وأما إذا قال له: اتبع فلانا، فيخرج ذلك على قولين، ذكرتهما في آخر أول رسم من سماع أشهب، من كتاب جامع البيوع. وهذا الأمر هل يحمل على الإيجاب عليه أم لا؟ اختلف في ذلك قول مالك. وبالله التوفيق. .مسألة الحميل بالوجه إذا غاب المتحمل عنه وحل الأجل: قال: وسألت عن الحميل بالوجه إذا غاب المتحمل عنه وحل الأجل، كم ترى أن يؤجله السلطان في طلب صاحبه؟ قال. إن كانت غيبة المتحمل عنه قريبة، اليوم واليومين والثلاثة، ونحو ذلك، مما لا يضر ذلك بالمتحمل له، وعلى قدر ما يرى الإمام من الحمل عليه في قدره، ونحوه مما لا يضر به فيه بطالب الحق، وإن كانت غيبة المطلوب ببلد لا يرتجى قدومه منه إلى اليوم واليومين والثلاثة، ونحو ذلك، لم يؤجل الحميل قليلا ولا كثيرا، وأعدى عليه بالحق الذي وجب على المتحمل عنه قلت: فإذا أعدى على الحميل، فأراد الحميل أن يباع له مال المتحمل عنه، أترى أن يباع، أو يستأنى به؟ قال: إن كان ببلد بعيد على مسيرة العشر ليال ونحوها، لم ينتظر، ويبيع ماله، فقضى الغريم منه، وإن كانت على مسيرة اليوم واليومين ونحو ذلك، انتظر حتى يعذر إليه بكتاب ليقدم، فيبرأ أو سن له بحقه.، ليباع ماله، ويقضي به دينه. قال: والحميل بالمال إذا حل الأجل لم يؤجل، ولم يؤخر إلا برضى صاحب الحق هو في ذلك كالغريم بعينه. قال محمد بن رشد: قوله: إن الحميل بالوجه إذا غاب المتحمل به وحل الأجل، إن السلطان يؤجله في طلب صاحبه اليوم واليومين والثلاثة، خلاف ما في المدونة من أنه يؤجل اليوم ونحوه. وقوله: إن الحميل بالمال إذا حل الأجل لا يؤجله ولا يؤخر إلا برضى صاحب الحق. وقد مضى القول على ذلك كله هنالك، فلا معنى لإعادته. وأما قوله: إن الحميل بالوجه إذا غرم المال في غيبة المتحمل عنه به، فسأل أن يباع به مال الغريم، إنه لا يباع له، دون أن يعذر إليه إلا في الغيبة البعيدة العشرة ليال أو نحوها، فهو صحيح؛ لأنه حكم على غائب، والغائب لا يحكم عليه إلا بعد الإعذار إليه. وقد مضى تحصيل الحكم في الغائب في رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الأقضية، فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. .مسألة أحاله على غريمه بعشرة دنانير فيقبض ذلك منه ثم يأتي المحيل يتقاضاه: قال محمد بن رشد: قوله: إن المتقاضي غارم للعشرة، معناه، بعد يمين المحيل، وقوله: وأراها كالسلف عليه، معناه: وأراها كالسلف الذي يتقاران جميعا عليه؛ لأنه يستحقه بيمينه قبله. وفي قوله: وأرى للقابض أجرة مثله نظر، إذ لم يدع الأجرة، وإنما زعم أنه قبض حقه الواجب له، وكذلك لو قال الحميل: إنما أحيلك بها، لتكفيني مؤنة تقاضيها، لكان القول قوله أيضا على ما حكاه ابن حبيب، ولكانت له أجرة التقاضي إن كان شيئا له أجرة، وكان ممن يعمل هذا بالأجرة. وقوله في هذه المسألة على قياس قوله في آخر كتاب المديان من المدونة في الذي يقول للرجل: ادفع إلى فلان عني ألف دينار، فيدفعها إليه ثم يريد أخذها من الآمر، فيقول: كانت لي عليك دينا، إن القول قول المأمور؛ لأنه أخرج الدينار من عنده، فالقول قوله: إنها له، حتى يثبت أنها كانت عليه دينا للآمر. يريد: إلا ألا يشبه ما يقول، مثل أن يعلم من فقره، وكونه غريما للآمر، ما لا يشك أنه يكسب هذا القدر. وحكى ابن حبيب عن ابن الماجشون في مسألة الكتاب هذه، أن ذلك على ما يشبه، فإن كان من أحلته يشبه أن يكون له عليك مثل ذلك، فهو مصدق مع يمينه، وإن كان لا يشبه، فهو كوكيلك، فيكون القول قولك مع يمينك. وحكي عن أشهب أن الحميل مصدق، أشبه قوله أو لم يشبه، وإنما معناه: إن القول قوله إذا أشبه قول المحال، أو لم يشبه، فلا اختلاف إذا أشبه قول أحدهما ولم يشبه قول الآخر، إن القول قول من أتى منهما بما يشبه، وإنما الاختلاف إذا أتيا جميعا بما يشبه، أو بما لا يشبه، فقال ابن القاسم وأشهب: القول قول المحيل، وقال ابن الماجشون: القول قول المحال القابض، وهو على القول المعروف من مذهب أشهب أنه لا يؤخذ أحد بأكثر مما يقر به على نفسه؛ لأنه يقول: لم أقبض إلا حقي الواجب لي، خلاف قوله وقول ابن القاسم في هذه المسألة. وبالله التوفيق. .مسألة يتحمل عن الرجل بعرض من العروض فيقضى على الحميل بالغرم: قال: وقال ابن القاسم في الرجل يتحمل عن الرجل بعرض من العروض: الطعام والحيوان، وغير ذلك، فيقضى على الحميل بالغرم، إنه إن اشترى للطالب العرض الذي تحمل له به، غرم المتحمل عنه الثمن الذي اشترى به العرض الذي أدى عنه بالغا ما بلغ. قال: وإن أدى عنه ثمنا من دنانير أو دراهم، خير المتحمل عنه، إن شاء غرم ما غرم عنه، وإن شاء غرم العرض الذي كان عليه. قال: ولو كان غرم عنه مثل العرض الذي كان عليه من عند نفسه، لم يشتره، فإن كان مما يكال أو يوزن، مما يوكل أو يشرب، أو غير ما يوكل أو يشرب، غرم مكيله ذلك أو وزنه من صنفه، وإن كان الذي عليه عرض من العروض، فغرم عنه من عنده مثله، غرم لذلك، أو وزنه أيضا مثل ذلك، وإن كان غرم عنه عرضا مخالفا للعرض الذي كان تحمل به عنه، خير المطلوب، فإن شاء غرم قيمة العرض الذي غرم عنه يوم أخرجه الحميل، وإن شاء غرم مثل العرض الذي كان وجب عليه فقط. قال محمد بن رشد: أما إذا اشترى الكفيل العرض الذي تحمل به للطالب، فلا اختلاف أعرفه في أنه يرجع على المطلوب بالثمن الذي اشتراه به، ما لم يحاب البائع، فلا يرجع عليه بالزيادة على القيمة. فقوله في هذه الرواية: بالغا ما بلغ، معناه ما لم يكن أكثر من القيمة بما لا يتغابن الناس بمثله في البيوع؛ لأنه لما تكفل عنه بأمره، فكأنه وكيل له على الشراء، إذ قد علم أنه سيطلب بما تحمل به عنه، ويحتاج إلى ابتياعه، وأما إن أدى عنه في العروض دنانير أو دراهم أو عرضا مخالفا له، وكان تحمل عنه بدنانير، فأدى عنه دراهم، أو بدراهم، فأدى عنه دنانير، أو تمرا فأدى عنه قمحا. ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها إن ذلك لا يجوز، والثاني إن ذلك جائز، والثالث إن ذلك جائز فيما تجوز فيه النسيئة في المبايعة، وغير جائز فيما لا تجوز فيه النسيئة في المبايعة، وهو أن يؤدي عنه دنانير من دراهم، أو دراهم من دنانير، أو تمرا من قمح، أو قمحا من تمر، وما أشبه ذلك، فعلى القول إن ذلك لا يجوز، يفسخ القضاء ويرجع على الطالب بما دفع إليه. واختلف على القول بأن ذلك جائز بما يرجع الكفيل على المطلوب المتحمل عنه، فقيل: يرجع عليه بما تحمل به عنه، وقيل: يخير المتحمل عنه، فإن شاء غرم ما غرم عنه، وإن شاء غرم الذي كان عليه، وهذا معنى قول مالك في كتاب المديان من المدونة: إنه لا يربح في السلف، والقولان في كتاب الكفالة من المدونة. فهذا تحصيل القول في هذه المسألة وقد مضى هذا له في رسم العرية من سماع عيسى من هذا الكتاب، وفي أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف. وكذلك اختلف في المأمور يقضي خلاف ما أمر به على هذين القولين، وقد فرق بين الكفيل والمأمور في ذلك. فقيل إن الكفيل يرجع بما أدى وإن المأمور يرجع بما كان للطالب عليه. واختلف إذا أدى عنه من عنده مثل العرض الذي كان عليه، فقال في هذه الرواية: إنه يرجع عليه بمثله، وهو مذهبه في المدونة، والمشهور في المذهب، وقال في سماع أبي زيد: إن المطلوب مخير، إن شاء دفع إليه مثل ما غرم عنه. وإن شاء دفع إليه قيمته. وقال في الواضحة: لا يغرم له إلا قيمته؟ ولا اختلاف إذا أدى عنه عروضا عن دنانير، والبلد يتبايع فيه بالدينار في أن ذلك جائز؛ لأن ذلك يرجع إلى التخيير بين القليل والكثير، وليس في ذلك اختلاف أعراض أنه يؤدي إلى الأقل، وبالله التوفيق. .مسألة يقر للرجل أنه تحمل له بما على غريم له فأنكر الذي زعم أنه تحمل عنه: قال: وسألته عن الرجل يقر للرجل أنه تحمل له بما على غريم له، فأنكر الذي زعم أنه تحمل عنه أن يكون للطالب قبله حق، أو أن يكون المقر بالحمالة تحمل عنه بشيء، فقال: يغرم المقر لصاحب الحق ما أقر له مما زعم أنه عمل به عن المطلوب، ثم لا يعدى الحميل الغريم على المطلوب إلا أن يقيم عليه البينة أن ذلك الحق عليه للطالب. قلت: أرأيت إن أقر بالحق أو أنكر أن يكون تحمل المقر بالحمالة عنه بشيء؟ فقال: يغرم المطلوب ما أقر به، ولا سبيل إلى الحميل حتى لا يوجد للغريم وفاء بما عليه، فإن لم يكن عنده وفاء، غرم الحميل ما أقر أنه تحمل به، وأعدي على الغريم يطلبه بما أدى عنه. قلت له: ولم يعد عليه، ولم يقر له أنه تحمل عنه بشيء؟ قال: ألا ترى أنه لو لم يغرم عنه شيئا فأحاله عليه صاحب الحق، جاز له أن يطلبه بذلك الحق، ولو أنه قال لصاحب الحق ولم يكن تحمل عنه بشيء: أقضيك عن فلان، وأنا أطلبه بهذا الحق، كان ذلك له، فلا حجة للمطلوب إذا أعدي عليه المقر بالحمالة الغارم بالإقرار، في أن يقول: لا يعدى علي ولم يتحمل عني بشيء، إذا أوصل إلى صاحب الحق حقه، من قبل أن المقر له بالحمالة أعدي على الغريم بما أدى عنه، كما كان يعدى عليه ولو أتى عنه بغير حمالة. قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن الحميل أقر أنه يعرف الحق على المتحمل عنه، ولذلك ألزمه الحميل، دون أن تثبت بينة لصاحب الحق عليه، فقال: يغرم المقر لصاحب الحق بما أقر له به مما زعم أنه تحمل به عن المطلوب، ثم لا يعدى الحميل الغريم على المطلوب إلا أن يقيم عليه البينة أن ذلك الحق عليه للطالب، فليست هذه المسألة على هذا التأويل بمخالفة لما في المدونة، ولا لما مضى في رسم التمرة من سماع عيسى إلا أنها مسألة فيها اختلاف قيل: إنه لا يلزمه الغريم بإقراره بالكفالة، وإن أقر أنه يعرف الحق قبل المطلوب، إذا كان المطلوب منكرا، وهو قول مالك في رواية أشهب عنه، وقيل: إنه يلزمه الغريم بإقراره بالكفالة، وإن كان المطلوب منكرا، إذا كان معدما ولا يلزمه إذا كان مليا. وهذا القول يقوم من قول ابن القاسم في أول رسم من سماعه من كتاب الشهادات، في أن شهادة الكفيل على الغريم بالدين الذي تحمل به عنه، تجوز إن كان الغريم مليا، ولا تجوز إن كان معدما. فعلى قول ابن القاسم في هذه الرواية، لا يجوز شهادة الحميل بالدين على الغريم مليا كان أو معدما، وهو نص قول مالك في أول سماعه من كتاب الشهادات. وقد قيل: إن الحميل إن كان معدما جازت شهادته على الغريم بالدين، وإن كان مليا لم تجز شهادته عليه، وهو صحيح على قياس قول ابن القاسم في هذه الرواية: إن الحميل غارم؛ لأنه إذا أسقط عنه الغرم لعدمه سقطت عنه التهمة في شهادته. وأما إذا قبض صاحب الحق من الحميل حقه بإقراره بالحمالة فلا تجوز شهادته للحميل على الغريم؛ لأنه قد كان مكذبا في دعواه، فإذا أشهدوا بما يصدق نفسه فيما كان ادعى وأمضى، فإن ما شهد فيه أصله، فهو شاهد لنفسه. وقد مضى في رسم الثمرة من سماع عيسى من هذا الكتاب، وفي أول سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات في هذه المسألة زيادات، فتأملها وقف عليها. وأما قوله: إن أقر الغريم بالحق، وأنكر أن يكون المقر بالحمالة تحمل عنه بشيء إلى آخر المسألة، فهو كله كلام بين لا إشكال فيه ولا التباس في شيء من معانيه إلا في قوله: ولو قال لصاحب الحق أقضيك عن فلان، وأنا أطلبه بهذا الحق، كان ذلك له، فإنه ليس على ظاهره، ومعناه: إذا قال له: أنا أطلبه به على وجه المعروف منه إليه في كفايته الاقتضاء منه على سبيل الشرط عليه؛ لأنه لم يجز في كتاب الهبات من المدونة أن يسلف الرجل الرجل دنانير، على أن يحيله بها على رجل آخر، كانت المنفعة للذي أسلف أو للذي أسلف، وهذا الاختلاف على اختلافهم في القراض بلفظ البيع، هل يجوز أم لا؟ لأن الحوالة بيع من البيوع، وإنما يجوز ذلك على القول بجوازه إذا لم يرد بذلك ضرره وسجنه. قاله في المديان من المدونة وغيره من الكتب وبالله التوفيق. .مسألة يتحمل له الرجل عن غريمه بماله عليه إلى أجل: قال محمد بن رشد: هذه المسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم الأقضية من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق. .مسألة يتحمل بوجه رجل إلى أجل فيموت المتحمل عنه قبل الأجل أو بعده: محمد بن أحمد: هذه المسألة قد مضى القول عليها مستوفى في رسم سلف دينارا من سماع عيسى لتكرر الرواية هناك، فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. اللهم لطفك. .مسألة يدعي قبل رجل دابة فقال له رجل آخر أنا ضامن لك ما جاء في هذه الدابة: قال محمد بن رشد: أصبغ يقول في هذه المسألة: إنه لا يضمن في الموت، وهو الأظهر؛ لأن المعنى المقصود في ضمانها ما يخشى من أن يكون الذي هي بيده بعينها، أو يهرب بها، فترك ما يجب له من توقيفها بما أظهره من الشبهة فيها، إلا أن يثبتها بالضمان الذي ضمنه له، فالأظهر لا يضمن له إلا المعنى الذي ظهر أنه قصده. ووجه قول سحنون، اتباع عموم ظاهر اللفظ، إذ لا يحصر حالا من حال، ومن هذا المعنى ما تقدم القول عليه في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الرهن في ضمان الرهن للمرتهن، فهو أصل قد اختلف فيه قول مالك، حسبما بيناه هناك. وبالله التوفيق. .مسألة الرجل يتحمل عن الرجل فإذا حل الأجل قام الغريم على الحميل: قال محمد بن رشد: قوله: إذا لم يعرف له مال ظاهر، فإن الحميل غارم، يدل على أنه محمول على العدم، وأن على الحميل إقامة البينة على ملائه، وإلا غرم ومما يقوي هذا من مذهبه قوله الذي حكيناه عنه في رسم الثمرة من سماع عيسى في الحميل يقر بالحمالة وينكر الذي عليه الحق يضمن، ولا يكلف الطالب أن يثبت الدين قبل المطلوب، إن كانت له بينة ليطلب الغريم قبل الحميل عاجلا، ثم يقوم هو بالبينة على الغريم، ليرجع عليه بما غرم، وفي رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب النكاح، ما يدل على أنه محمول على الملأ، وأن على المتحمل له إقامة البينة أنه عديم؛ لأنه قال فيه: إنه لا شيء على الحميل حتى لا يوجد للغريم مال. وقول سحنون أظهر لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ «الزعيم غارم» لأنه يجب بظاهر هذا القول حتى يثبت ما يسقط ذلك عنه من ملأ الغريم، ولأنه قد روي عن مالك، بدليل هذا الحديث إن للطالب أخذ الكفيل بالغريم، وإن كان المطلوب المتحمل به مليا، والأظهر قوله الثاني الذي اختاره ابن القاسم؛ لأنه لا يؤخذ الحميل إلا في عدم الغريم، لأنا إن قضينا على الحميل بالغرم، والغريم مالى، وجب أن يقضى للحميل في الحين بالغرم على الغريم، فالقضاء للطالب على الغريم أولى، وأقل عناء، ووجه رواية يحيى في أن الغريم محمول على الملأ، وأن على الطالب إقامة البينة على عدمه، هو الإجماع على أن الدين لم يسقط عن ذمة الغريم بالكفالة، بدليل قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث جابر للذي ادعى الدين الذي يحمل به عن الميت، «الآن بردت عليه جلده». فإذا لم يسقط الدين عن ذمته بالكفالة، كان هو أحق أن يتبع به. وبالله التوفيق. .مسألة له على رجل دين فأحاله على غريم له وشرط عليه: قال محمد بن رشد: قول المغيرة هذا صحيح، لا أعرف فيما أجازه من هذا الشرط في الحوالة خلافا في المذهب؛ لأنه شرط لا فساد فيه، فوجب أن يجوز ويلزم، لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: المسلمون «على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا». وبالله التوفيق. .مسألة دفع إلى رجل دينارا ذهبا على أن يدفع إليه أربعين درهما إلى شهر: قال محمد بن رشد: هذه المسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في أول رسم العرية فلا معنى لإعادته.
|