الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.اللغة: {فانفجرت} الانفجار: الانشقاق ومنه سمي الفجر لانشقاق ضوئه، وانفجر وانبجس بمعنى واحد قال تعالى: {فانبجست منه}. {مشربهم} جهة وموضع الشرب. {تعثوا} العيث: شدة الفساد، يقال: عثي يعثى، وعثا يعثو إذا أفسد فهو عاث، قال الطبري: معناه تطغوا وأصله شدة الإفساد. {فومها} الفوم: الثوم، وقيل: الحنطة. {أتستبدلون} الاستبدال: ترك شيء لآخر وأخذ غيره مكانه. {أدنى} أخس وأحقر، يقال رجل دنيء إذا كان يتتبع الخسائس. {الذلة} الذل والهوان والحقارة. {والمسكنة} الفاقة والخشوع مأخوذة من السكون، لأم المسكين قليل الحركة لما به من الفقر. {باءوا} رجعوا وانصرفوا قال الرازي: ولا يقال باء إلا إذا كان بشر. {يعتدون} الاعتداء: تجاوز الحد في كل شيء، واشتهر في الظلم والمعاصي. اهـ. .القراءات والوقوف: .القراءات: {النبيين وبابه} بالهمزة: نافع إلا في موضعين في الأحزاب {إن وهبت نفسها للنبي} [الأحزاب: 5] و{بيوت النبي} [الأحزاب: 53] إلا فروي إسماعيل وقالون عنه بغير همزة. .الوقوف: .من أقوال المفسرين: .قال الفخر: قال الفخر: جمهور المفسرين أجمعوا على أن هذا الاستسقاء كان في التيه، لأن الله تعالى لما ظلل عليهم الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى وجعل ثيابهم بحيث لا تبلى ولا تتسخ خافوا العطش فأعطاهم الله الماء من ذلك الحجر، وأنكر أبو مسلم حمل هذه المعجزة على أيام مسيرهم إلى التيه فقال: بل هو كلام مفرد بذاته، ومعنى الاستسقاء طلب السقيا من المطر على عادة الناس إذا أقحطوا ويكون ما فعله الله من تفجير الحجر بالماء فوق الإجابة بالسقيا وإنزال الغيث والحق أنه ليس في الآية ما يدل على أن الحق هذا أو ذاك وإن كان الأقرب أن ذلك وقع في التيه، ويدل عليه وجهان: أحدهما: أن المعتاد في البلاد الاستغناء عن طلب الماء إلا في النادر. الثاني: ما روي أنهم كانوا يحملون الحجر مع أنفسهم لأنه صار معدًا لذلك فكما كان المن والسلوى ينزلان عليهم في كل غداة فكذلك الماء ينفجر لهم في كل وقت وذلك لا يليق إلا بأيامهم في التيه. اهـ. .قال الألوسي: قيل: ومفعول استسقى محذوف أي ربه أو ماء وقد تعدى هذا الفعل في الفصيح إلى المستسقى منه تارة وإلى المستسقي أخرى كما في قوله تعالى: {وَإِذْ استسقاه قَوْمُهُ} [الأعراف: 160] وقوله: وتعديته إليهما مثل أن تقول: استسقى زيد ربه الماء لم نجدها في شيء من كلام العرب واللام متعلقة بالفعل، وهي سببية أي لأجل قومه. {فَقُلْنَا اضرب بّعَصَاكَ الحجر} أي فأجبناه {فَقُلْنَا} إلخ. اهـ. .قال الفخر: .فصل: بحث في عصا موسى عليه السلام: واعلم أن السكوت عن أمثال هذه المباحث واجب لأنه ليس فيها نص متواتر قاطع ولا يتعلق بها عمل حتى يكتفى فيها بالظن المستفاد من أخبار الآحاد فالأولى تركها. اهـ. .فصل: نوع لام ال في الحجر: اللام في الحجر إما للعهد والإشارة إلى حجر معلوم، فروي أنه حجر طوري حمله معه وكان مربعًا له أربعة أوجه ينبع من كل وجه ثلاثة أعين لكل سبط عين تسيل في جدول إلى ذلك السبط، وكانوا ستمائة ألف وسعة المعسكر اثنا عشر ميلًا، وقيل أهبط مع آدم من الجنة فتوارثوه حتى وقع إلى شعيب فدفعه إليه مع العصا، وقيل: هو الحجر الذي وضع عليه ثوبه حين اغتسل إذ رموه بالأدرة ففر به، فقال له جبريل: يقول الله تعالى: ارفع هذا الحجر فإن لي فيه قدرة ولك فيه معجزة، فحمله في مخلاته، وإما للجنس أي اضرب الشيء الذي يقال له الحجر، وعن الحسن: لم يأمروه أن يضرب حجرًا بعينه. قال: وهذا أظهر في الحجة وأبين في القدرة، وروي أنهم قالوا: كيف بنا لو أفضينا إلى أرض ليست فيها حجارة فحمل حجرًا في مخلاته فحينما نزلوا ألقاه وقيل: كان يضربه بعصاه فينفجر ويضربه بها فييبس، فقالوا: إن فقد موسى عصاه متنا عطشًا. فأوحى الله إليه لا تقرع الحجارة، وكلمها تطعك، واختلفوا في صفة الحجر فقيل: كان من رخام وكان ذراعًا في ذراع، وقيل: مثل رأس الإنسان. والمختار عندنا تفويض علمه إلى الله تعالى. اهـ. .قال الألوسي: والمراد بهذه العصا المسئول عنها في قوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا موسى موسى} [طه: 71] والمشهور أنها من آس الجنة طولها عشرة أذرع طول موسى عليه السلام لها شعبتان تتقدان في الظلمة، توارثها صاغر عن كابر حتى وصلت إلى شعيب ومنه إلى موسى عليهما السلام؛ وقيل: رفعها له ملك في طريق مدين، وفي المراد من {الحجر} خلاف، فقال الحسن: لم يكن حجرًا معينًا، بل أي حجر ضربه انفجر منه الماء، وهذا أبلغ في الإعجاز وأبين في القدرة، وقال وهب: كان يقرع لهم أقرب حجر فتنفجر، وعلى هذا اللام فيه للجنس، وقيل: للعهد، وهو حجر معين حمله معه من الطور مكعب له أربعة أوجه ينبع من كل وجه ثلاثة أعين، لكل سبط عين تسيل في جدول إلى السبط الذي أمرت أن تسقيهم، وكانوا ستمائة ألف ما عدا دوابهم، وسعة المعسكر إثنا عشر ميلًا، وقيل: حجر كان عند آدم وصل مع العصا إلى شعيب فدفع إلى موسى، وقيل: هو الحجر الذي فر بثوبه، والقصة معروفة. وقيل: حجر أخذ من قعر البحر خفيف يشبه رأس الآدمي كان يضعه في مخلاته، فإذا احتاج للماء ضربه. والروايات في ذلك كثيرة، وظاهر أكثرها التعارض، ولا ينبني على تعيين هذا الحجر أمر ديني، وإلا سلم تفويض علمه إلى الله تعالى. اهـ. وقال الألوسي: {فانفجرت مِنْهُ اثنتا عَشْرَةَ عَيْنًا} عطف على مقدر، أي فضرب فانفلق، ويدل على هذا المحذوف وجود الانفجار، ولو كان ينفجر دون ضرب لما كان للأمر فائدة، وبعضهم يسمي هذه الفاء الفصيحة ويقدر شرطًا أي فإن ضربت فقد انفجرت وفي المغني: إن هذا التقدير يقتضي تقدم الانفجار على الضرب، إلا أن يقال: المراد فقد حكمنا بترتب الانفجار على ضربك، وقال بعض المتأخرين: لا حذف، بل الفاء للعطف وإن مقدرة بعد الفاء كما هو القياس، بعد الأمر عند قصد السببية، والتركيب من قبيل زرني فأكرمك أي {اضرب بعصاك الحجر} فإن انفجرت فليكن منك الضرب فالانفجار ولا يخفى ما في كل حتى قال مولانا مفتي الديار الرومية في الأول: إنه غير لائق بجلالة شأن النظم الكريم. والثاني: أدهى وأمر والانفجار انصداع شيء من شيء، ومنه الفجر والفجور، وجاء هنا {انفجرت} وفي الأعراف (160) {فانبجست} فقيل: هما سواء. وقيل: بينهما فرق وهو أن الانبجاس أول خروج الماء، والانفجار اتساعه وكثرته، أو الانبجاس خروجه من الصلب، والآخر خروجه من اللين، والظاهر استعمالهما بمعنى واحد وعلى فرض المغايرة لا تعارض لاختلاف الأحوال، و{من} لابتداء الغاية، والضمير عائد على الحجر المضروب وعوده إلى الضرب، و{من} سببية مما لا ينبغي الإقدام عليه، والتاء في إثنتا للتأنيث ويقال: ثنتا إلا أن التاء فيها على ما في (البحر) للإلحاق، وهذا نظير أنبت، ونبت ولامها محذوفة، وهي ياء لأنها من ثنيت، وقرأ مجاهد وجماعة ورواه السعدي عن أبي عمرو عشرة بكسر الشين وهي لغة بني تميم، وقرأ الفضل الأنصاري بفتحها قال ابن عطية: وهي لغة ضعيفة، ونص بعضها النحاة على الشذوذ، ويفهم من بعض المتأخرين إن هذه اللغات في المركب لا في عشرة وحدها، وعبارات القوم لا تساعده، والعين منبع الماء وجمع على أعين شذوذًا وعيون قياسًا، وقالوا في أشراف الناس: أعيان، وجاء ذلك في الباصرة قليلًا كما في قوله: وهو منصوب على التمييز، وإفراده في مثل هذا الموضع لازم، وأجاز الفراء أن يكون جمعًا، وكان هذا العدد دون غيره لكونهم كانوا اثني عشر سبطًا وكان بينهم تضاغن وتنافس فأجرى الله تعالى لكل سبط عينًا يردها لا يشركه فيها أحد من السبط الآخر دفعًا لإثارة الشحناء، ويشير إلى حكمة الانقسام، قوله تعالى: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ} وهي جملة مستأنفة مفهمة على أن كل سبط منهم قد صار له مشرب يعرفه فلا يتعدى لمشرب غيره، و{أناس} جمع لا واحد له من لفظه، وما ذكر من شذوذ إثبات همزته إنما هو مع الألف واللام، وأما بدونها فشائع صحيح، و{عَلِمَ} هنا متعدية لواحد أجريت مجرى عرف ووجد ذلك بكثرة والمشرب إما اسم مكان أي محل الشرب، أو مصدر ميمي بمعنى الشرب، وحمله بعضهم على المشروب وهو الماء، وحمله على المكان أولى عند أبي حيان، وإضافة المشرب إليهم لأنه لما تخصص كل مشرب بمن تخصص به صار كأنه ملك لهم وأعاد الضمير في مشربهم على معنى {كُلٌّ} ولا يجوز أن يعود على لفظها لأن كُلًا متى أضيف إلى نكرة وجب مراعاة المعنى كما في قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بإمامهم} [الإسرار: 1 7] وقوله: ونص على المشرب تنبيهًا على المنفعة العظيمة التي هي سبب الحياة وإن كان سرد الكلام يقتضي قد علم كل أناس عينهم وفي الكلام حذف أي منها لأن {قَدْ عَلِمَ} صفة لاثنتا عشرة عينًا فلابد من رابط، وإنما وصفها به لأنه معجزة أخرى حيث يحدث مع حدوث الماء جداول يتميز بها مشرب كل من مشرب آخر، ويحتمل أن تكون الجملة حالية لا صفة لقوله تعالى: {اثنتا عَشْرَةَ} لئلا يحتاج إلى تقدير العائد وليفيد مقارنة العلم بالمشارب للانفجار، والمشرب حينئذٍ العين. اهـ. قوله تعالى: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}.
|