الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.السفور مَطِيَّة الفجور: وعن حذيفة أنه قيل له: في يوم واحد تركت بنو إسرائيل دينهم؟ قال: لا ولكنهم كانوا إذا أمروا بشيء تركوه وإذا نهوا عن شيء ركبوه حتى انسلخوا من دينهم كما ينسلخ الرجل من قميصه. ومعلوم أن المعاصي تزرع أمثالها ويولد بعضها بعضًا حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها فكلما فرط من العبد معصية قالت أخرى إلى جانبها: اعملني أيضًا فإذا عملها قالت الثالثة كذلك وهلم جرا حتى تصير المعاصي هيئات راسخة وصفات لازمة وملكات ثابتة بحيث لو عطل المسيء سيئاته لضاقت عليه نفسه وضاقت عليه الأرض بما رحبت وأحس من نفسه أنه كالحوت إذا فارق الماء حتى يعاودها فتسكن نفسه وتقر عينه ولا يزال المسكين يألف المعاصي حتى ينسلخ من قلبه استقباحها فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له بل يحبها حتى يرسل الله عليه الشياطين تؤزه إليها أزًا فيكونون أعوانًا عليه. وقال شيخ من أهل الشام: من أعطى أسباب الفتنة من نفسه أولًا لم ينج آخرًا وإن كان جاهدًا. وفي بعض الآثار: إذا استشرفت للفتن استشرفت لك ومن هنا قال أبو السعود في مراقي السعود: إن الذي يسمح لقدمه أن تنزلق خطوة واحدة في أول الطريق لا يدري إلى أين تسوقه قدماه وإلى أين ينتهي به المسير لذا كان علينا أن نضع للأشياء حدودًا لا نسمح لأنفسنا بتخطيها. .سنة إبليسية: وزيادة في الإضلال وإمعانًا في التغرير بآدم أقسم له ولزوجه أنه صادق فيما يقول وأنه ناصح لهما يقدم لهما الخير ويدلهما على الطريق الحق {فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى} طه (120)، {وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين} وما النتيجة؟ {فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة}. {قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين}. وهكذا تذرع الشيطان إلى الفجور الذي نراه اليوم ونعاني ويلاته بالسفور كخطوة أولى يستنزل بها المرأة المسلمة من عليائها وعفتها وما كان للمسلمة أن تطيعه أبدًا إذا دعاها صراحة وهي في قمة الاحتجاب والتعفف إلى ما نراه الآن مثلًا على شواطئ البحار وفي دور الخيالة لكن الخبيث تدرج معها ابتداءً بأن السفور كشف الوجه جائز شرعًا وانتهاءً بأن خير الهدي هدي أوربا وأمريكا. قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله في معرض كلامه عن أثر كشف المرأة وجهها في وقوع الافتتان بها ولهذا أمر النساء بستر وجوههن عن الرجال فإن ظهور الوجه يسفر عن كمال المحاسن فيقع الافتتان. اهـ. جاء في ترجمة عبيد بن عمير المكي من ثقات العجلي قال: كانت امرأة جميلة بمكة كان لها زوج فنظرت يومًا إلى وجهها في المرآة فقالت لزوجها: أترى أحدًا يرى هذا الوجه ولا يفتن به؟ قال: نعم فقالت: من؟ قال: عبيد بن عمير قالت: فأذن لي فلأفتننه! قال: قد أذنت لك فأتته فاستفتته فخلا معها في ناحية من المسجد الحرام قالت: فأسفرت عن مثل فلقة القمر فقال لها: يا أمة الله اتقي الله. ومن قبل قال بعض أهل الأهواء في تصوير فتنة السفور أو الحجاب النصفي: .تمسك المصريين بالحجاب: مع أن حافظًا هو نفسه القائل: .سياسة تكسير الموجة: لقد بدأت حركة تحرير المرأة على أيدي المتفرنجين فقلدهم بعض الخطباء الجهلة والكتاب الفسقة ونشبت المعركة أول ما نشبت حول كشف وجه المرأة أي السفور وأقام العلماء الناصحون الدنيا وأقعدوها ليحبطوا تلك الدعوة إلى السفور لا لأنه الحكم الراجح في المسألة فحسب ولكن لأنهم فطنوا لحقيقة الخطة المدمرة التي تستهدف القضاء على المرأة المسلمة وتحطيم كيانها لقد نادوا بتخليص المرأة من الحجاب ولزوم البيت والخضوع للآباء والخنوع للأزواج والبعد عن الحياة الاجتماعية والسياسية وواتت هذه الحركة فرصة وجود الأمة المسلمة مستعبدة للأجنبي الكافر مستعمرة له ترزح تحت نيرانه وتأن تحت كلكله تتوجب لما يصب عليها من جم غضبه وما يسومها من سوء عذابه فنسبوا- مكرًا وخديعة- كل ما حل بالأمة المسلمة من تأخر وضعف وهون ودون إلى حجاب المرأة وعفتها وحيائها وبعدها عن التعليم العقيم والسياسة الفاجرة والحياة الاجتماعية الفاسدة. وانخدع كثير من النساء وأوليائهن بتلك الدعاوى المعسولة المسمومة وأخذت الفتاة المسلمة تتمرد على الحجاب وتحاول التخلص منه فبدأت لأول مرة بإلقاء البرقع الذي كان على وجهها ونزع النقاب من الوجه كذلك فظهرت الوجوه ما يحجبها برقع ولا يغطيها نقاب- وإنا لله وإنا إليه راجعون. لقد كانت خطوة جريئة من المرأة يومذاك صفق لها دعاة السفور وعباد الشهوات ورواد الفجور. .سنة سيئة: أخذت الأمور تتطور سريعًا حتى استنفدت دعوة قاسم أمين- في وقت وجيز- كل أغراضها وسارت الحال على سنة التدرج المعروفة واندفع الناس إلى ما وراء السفور في سرعة غير منتظرة فقد بدأت الفتنة العظمى بان خلعت المرأة النقاب وخلعت معه ما هو أغلى منه وأثمن ألا وهو ثوب الحياء الذي طالما صان وجهها أن يكون معروضًا ومبذولًا لكل من شاء أن يراه من أجنبي أو فاسق أو كافر ثم استبدلت المرأة المعطف الأسود بالحبرة وما هي إلا فترة من الزمن حتى امتدت يد التحرر إلى الخمار الذي كان لا يزال يستر شعر الرأس وبدا- لأول مرة- شعر المسلمة مكشوفًا لا شيء عليه يستره عن أعين الناس من أجانب وأقارب وبذلك شل جسم الحياء في المرأة ولم يعد قادرًا على منعها من أن تحدث وتجالس أو تصافح وتضاحك من شاءت من الرجال عامة وأصدقاء وأقارب الزوج خاصة وإن بعدوا أو سفلوا.
|