الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.من أقوال المفسرين: .قال الفخر: وبين العلة في ذلك فقال: {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمًا عَمِينَ} قال ابن عباس: عميت قلوبهم عن معرفة التوحيد والنبوة والمعاد، قال أهل اللغة: يقال رجل عم في البصيرة وأعمى في البصر {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنباء يَوْمَئِذٍ} [القصص: 66] وقال: {قَدْ جَاءكُمْ بَصَائِرُ مِن رَّبّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِىَ فَعَلَيْهَا} [الأنعام: 104] قال زهير: قال صاحب الكشاف: قرئ {عَامِيْنِ} والفرق بين العمي والعامي أن العمي يدل على عمي ثابت. والعامي على عمي حادث، ولا شك أن عماهم كان ثابتًا راسخًا، والدليل عليه قوله تعالى في آية أخرى: {وَأُوحِىَ إلى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ ءامَنَ} [هود: 36]. اهـ. .قال السمرقندي: ويقال: {عمين} عن الحق يعني: جعلوا أمره باطلًا. وقد بيّن الله قصته في سورة هود. اهـ. .قال الثعلبي: وقال الكلبي: كانوا ثمانين إنسانًا أربعون ذكورًا وأربعون امرأة {وَأَغْرَقْنَا الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمًا عَمِينَ} عن الحق جاهلين بأمر الله، وقال الضحاك: {عمينَ} كفّارًا. وقال الحسين بن الفضل: {عمين} في البصائر يقال: رجل عَمٍ عن الحق وأعمى في البصر. وقيل: العمي والأعمى واحد كالخضر والأخضر. وقال مقاتل: عموا عن نزول العذاب بهم وهو الحرث. اهـ. .قال ابن عطية: قال القاضي أبو محمد: فيحتمل أن يكون سائر العشرة أو الأربعين حسب الخلاف حفدة لنوح ومن ذريته فتجتمع الآية والحديث، ويحتمل أن من كان في السفينة غير بنيه لم ينسل، وقد روي ذلك، وإلا لكان بين الحديث والآية تعارض، وقوله: {كذبوا بآياتنا} يقتضي أن نوحًا عليه السلام كانت له آيات ومعجزات، وقوله: {عمين} وزنه فعلين وهو جمع عم وزنه فعل، ويريد عمى البصائر، وروي عن ابن عباس أن نوحًا بعث ابن أربعين سنة، قال ابن الكلبي: بعد آدم بثمانمائة سنة، وجاء بتحريم البنات والأخوات والأمهات والخالات والعمات، وقال وهب بن منبه بعث نوح وهو ابن أربعمائة سنة، وقيل بعث ابن ثلاثمائة سنة، وقيل ابن خمسين سنة، وروي أنه عمر بعد الغرق ستين سنة، وروي أن الطوفان كان سنة ألف وستمائة من عمره صلى الله عليه وسلم، وأتى في حديث الشفاعة وغيره: أن نوحًا أول نبي بعث إلى الناس، وأتى أيضًا أن إدريس قبل نوح ومن آبائه وذلك يجتمع بأن تكون بعثة نوح مشتهرة لإصلاح الناس وحملهم بالعذاب والإهلاك على الإيمان، فالمراد أنه أول نبي بعث على هذه الصفة. اهـ. .قال الخازن: يقال رجل عم في البصيرة وأعمى في البصر وأنشدوا قول زهير: قال مقاتل: عموا عن نزول العذاب بهم وهو الفرق. اهـ. .قال أبو حيان: أخبر تعالى أنهم كذبوه هذا مع حسن ملاطفته لهم ومراجعته لهم وشفقته عليهم فلم يكن نتيجة هذا إلاّ التكذيب له فيما جاء به عن الله: {والذين معه في الفلك} هم من آمن به وصدّقه وكانوا أربعين رجلًا، وقيل ثمانين رجلًا وأربعين امرأة قاله الكلبي وإليهم تنسب القرية التي ينسب إليها الثمانون وهي بالموصل، وقيل: عشرة فيهم أولاده الثلاثة، وقيل: تسعة منهم بنوه الثلاثة وفي قوله: {وأغرقنا الذين كذّبوا} إعلام بعلّة الغرق وهو التكذيب و{بآياتنا} يقتضي أنّ نوحًا كانت له آيات ومعجزات تدل على إرساله ويتعلق {في الفلك} بما يتعلّق به الظّرف الواقع صلة أي والذين استقروا معه في الفلك ويحتمل أن يتعلق بأنجيناه أي أنجيناهم في السّفينة من الطّوفان وعلى هذا يحتمل أن تكون في {سببية} أي بالفلك كقوله: «دخلت النار في هرة» أي بسبب هرة و{عمين} من عمي القلب أي غير مستبصرين ويدل على ثبوت هذا الوصف كونه جاء على وزن فعل ولو قصد الحذف لجاء على فاعل كما جاء ضائق في ضيق وثاقل في ثقيل إذا قصد به حدوث الضّيق والثقل، قال ابن عباس عميت قلوبهم عن معرفة التوحيد والنبوة والمعاد، وقال معاذ النحوي: رجل عم في أمره لا يبصره وأعمى في البصر. قال: وقد يكون العمى والأعمى كالخضر والأخضر، وقال الليث: رجل عم إذا كان أعمى القلب. اهـ. .قال أبو السعود: قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: عمِيَتْ قلوبُهم عن معرفة التوحيد والنبوةِ والمعاد، وقرئ {عامِينَ} والأولُ أدلُّ على الثبات والقرار. اهـ. .قال الألوسي: وكانوا على ما قيل: أربعين رجلًا وأربعين امرأة. وقيل: كانوا عشرة أبناؤه الثلاثة وستة ممن آمن به عليه السلام، والفاء للسببية باعتبار الإغراق لا فصيحة. وقوله سبحانه وتعالى: {فِى الفلك} أي السفينة متعلق بما تعلق به الظرف الواقع صلة أي استقروا معه في الفلك. وجوز أن يكون هو الصلة و{مَعَهُ} متعلق بما تعلق به وأن يكون متعلقًا بأنجينا و{فِى} ظرفية أو سببية وأن يكون متعلقًا بمحذوف وقع حالًا من {الذين} نفسه أو من ضميره. {فَكَذَّبُوهُ فأنجيناه والذين مَعَهُ} أي استمروا على تكذيبها، والمراد به ما يعم أولئك الملأ وغيرهم من المكذبين المصرين. وتقديم الإنجاء على الإغراق للمسارعة إلى الإخبار به والإيذان بسبق الرحمة على الغضب {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمًا عَمِينَ} أي عمى القلوب عن معرفة التوحيد والنبوة والمعاد كما روي عن ابن عباس أو عن نزول العذاب بهم كما نقل عن مقاتل. وقرئ {عَامَيْنِ} والأول أبلغ لأنه صفة مشبهة فتدل على الثبوت وأصله عميين فخفف، وفرق بعضهم بين عم وعام بأن الأول لعمى البصيرة والثاني لعمى البصر. وأنشدوا قول زهير: وقيل: هما سواء فيهما. اهـ. .قال القاسمي: {فَكَذَّبُوهُ} أي: أصروا على تكذيبه، مع طول مدة إقامته فيهم ولم يؤمن معه منهم إلا قليل {فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمًا عَمِينَ} أي: عن الحق، فلم يستبصروا الحق ولم يستنيروا بنور الوحي الذي هو كالشمس، ولا بظهور الآيات، ولا بآية الطوفان المغرق لهم، بعد إنذاره به على تكذيبهم، والعمى ذهاب بصر العينين وبصر القلب. يقال: عَمي فهو أعمى وعمٍ، كما في القاموس. وكان من أمر نوح عليه السلام، أن قومه لما أعرضوا عن الإيمان، وتمادوا على العصيان، وعبدة الأوثان، وطال عليه أمرهم، شكاهم إلى الله تعالى، فأوحى الله إليه أنه: {لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَن}، وهم ناس قليل، فحينئذ دعا عليهم فقال: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}. فأوحى الله إليه أن يصنع السفينة، وصار قومه يسخرون منه، ويقولون: يا نوح! قد صرت نجارًا بعد النبوة! فقال: {إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ}. فلما فرغ من صنع السفينة، أمره الله تعالى أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين من أنواع الحيوانات، حتى لا ينقطع نسلها. وحشرها إليه من كل جهة. ولما رأى فوران التنور، وكان هو العلامة بينه وبين الله تعالى في ابتداء الطوفان، ركب الفلك هو ومن آمن معه، وحمل من كل زوجين اثنين، وأمر الله تعالى السماء أن تمطر، والأرض أن تتفجر عيونًا، وارتفع الماء في هذا الطوفان رؤوس الجبال، فهلك جميع ما على الأرض من جنس الحيوان، ولم يبق حيًا غير أهل السفينة. وفي التوراة: أن الأمطار هطلت أربعين يومًا وليلة دون انقطاع، حتى غمرت المياه وجه الأرض، وعلت خمسة عشر ذراعًا فوق الجبال الشامخة وهلك بالطوفان كل جسم حي. ثم أرسل الله ريحًا عاصفة، فانقطعت الأمطار ونقصت المياه شيئًا فشيئًا، وقضى نوح سنة كاملة داخل الفلك، وحين خروجه منه بنى مذبحًا للقرابين، شكرًا لله تعالى، وتناسلت الناس من أولاد نوح الثلاثة: سام وحام ويافث وتوطن سام بلاد آسية، وأقام حام بنواحي أفريقية، وسكن يافث الديار الأوروبية- والله أعلم. تنبيه: قال الجشمي: في الآيات فوائد منها: أن نوحًا دعاهم أولًا إلى التوحيد، والرسولُ وإن حمل الشرائع، فلا طريق له إلى بيان الشرائع إلا بعد العلم بالتوحيد، ولأنهم لا ينتفعون بذلك إلا بعد اعتقاد التوحيد، فلذلك بدأ به. وجميع الرسل بدؤوا بالتوحيد ثم بالشرائع ولذلك كان أكثر حجاج نبينا عليه السلام بمكة، في التوحيد. انتهى. وقال ابن كثير: بين تعالى في هذه القصة أنه انتقم لأوليائه من أعدائه، وأنجى رسوله والمؤمنين، وأهلك أعداءهم الكافرين، كقوله: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا} الآية، وهذه سنة الله في عباده، في الدنيا والآخرة، أن العاقبة للمتقين، والظفر والغلب لهم، كما أهلك قوم نوح بالغرق، ونجى نوحًا وأصحابه المؤمنين. قال مالك عن زيد بن أسلم: كان قوم نوح قد ضاق بهم السهل والجبل. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ما عذب الله قوم نوح إلا والأرض ملأى بهم، وليس بقعة من الأرض إلا ولها مالك وحائز. اهـ.
|