الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال القرطبي: .قال الألوسي: .قال ابن عاشور: و{ما} من صيغ العموم تقع على العاقل وغيره وعلى المجموع وهذا هو الأصح الذي ذهب إليه في المفصل واختاره الرضي. وقيل: {ما} تَغْلِب أو تختص بغير العقلاء ومَنْ تختص بالعقلاء وربما استعمل كل منهما في الآخر وهذا هو المشتهر بين النحاة وإن كان ضعيفًا وعليه فهم يجيبون على نحو هاته الآية بأنها من قبيل التغليب تنزيلًا للعقلاء في كونهم من صنع الله بمنزلة مساويةٍ لغيره من بقية الموجودات تصغيرًا لشأن كل موجود. اهـ. .قال القرطبي: ثم إن البنوّة تنافي الرّق والعبودية على ما يأتي بيانه في سورة مريم إن شاء الله تعالى فكيف يكون ولد عبدا! هذا محال، وما أدّى إلى المحال محال. اهـ. .قال الفخر: الأول: بكونها شاهدة على وجود الخالق سبحانه بما فيها من آثار الصنعة وأمارات الحدوث والدلالة على الربوبية. الثاني: كون جميعها في ملكه وقهره يتصرف فيها كيف يشاء، وهو قول أبي مسلم، وعلى هذين الوجهين الآية عامة. الثالث: أراد به الملائكة وعزيرًا والمسيح، أي كل من هؤلاء الذين حكموا عليهم بالولد أنهم قانتون له، يحكى عن علي بن أبي طالب قال لبعض النصارى: لولا تمرد عيسى عن عبادة الله لصرت على دينه، فقال النصراني: كيف يجوز أن ينسب ذلك إلى عيسى مع جده في طاعة الله، فقال علي رضي الله عنه: فإن كان عيسى إلهًا فالإله كيف يعبد غيره إنما العبد هو الذي يليق به العبادة، فانقطع النصراني. اهـ. .قال القرطبي: {قَانِتُونَ} أي مطيعون وخاضعون؛ فالمخلوقات كلها تَقْنُت لله، أي تخضع وتطيع. والجمادات قُنُوتهم في ظهور الصنعة عليهم وفيهم. فالقنوت الطاعة، والقنوت السكوت؛ ومنه قول زيد بن أرْقَم: كنا نتكلّم في الصلاة، يُكَلِّم الرجل صاحبَه إلى جنبه حتى نزلت: {وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فأُمرنا بالسكوت ونُهينا عن الكلام. والقنوت: الصلاة؛ قال الشاعر: وقال السُّدّى وغيره في قوله: {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} أي يوم القيامة. الحسن: كل قائم بالشهادة أنه عبده. والقنوت في اللغة أصله القيام؛ ومنه الحديث: «أفضل الصلاة طول القنوت» قاله الزجاج. فالخلق قانتون؛ أي قائمون بالعبودية إمّا إقرارًا وإمّا أن يكونوا على خلاف ذلك؛ فأثر الصنعة بيِّنٌ عليهم. وقيل: أصله الطاعة؛ ومنه قوله تعالى: {والقانتين والقانتات} [الأحزاب: 35]. وسيأتي لهذا مزيد بيان عند قوله تعالى، {وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]. اهـ. .قال الخطيب الشربيني: .قال الألوسي: ويحتمل أن يقدر المضاف إليه كل ما جعلوه ولدًا لدلالة المقول لا عامًا لدلالة مبطله، ويراد بالقنوت الانقياد لأمر التكليف كما أنه على العموم الانقياد لأمر التكوين، وحينئذ لا تغلب في {قانتون} وتكون الجملة إلزامًا بأن ما زعموه ولدًا مطيع لله تعالى مقر بعبوديته بعد إقامة الحجة عليهم بما سبق، وترك العطف للتنبيه على استقلال كل منهما في الدلالة على الفساد واختلافهما في كون أحدهما حجة والآخر إلزامًا، وعلى الأول يكون الأخير مقررًا لما قبله، وذكر الجصاص أن في هذه الآية دلالة على أن ملك الإنسان لا يبقى على ولده لأنه نفى الولد باثبات الملك باعتبار أن اللام له فمتى ملك ولده عتق عليه، وقد حكم صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك في الوالد إذا ملكه ولده؛ ولا يخفى أن هذا بعيد عما قصد بالآية لاسيما إذا كان الأظهر الاختصاص كما علمت. اهـ. .قال ابن عاشور: والمضاف إليه المحذوف بعد كلّ دلّ عليه قوله: {ما في السماوات والأرض} أي كل ما في السماوات والأرض أي العقلاء له قانتون وتنوين كل تنوين عوض عن المضاف إليه وسيأتي بيانه عند قوله تعالى: {ولكل وجهة هو موليها} [البقرة: 148] في هذه السورة. وفي قوله: {له قانتون} حجة ثالثة على انتفاء الولد لأن الخضوع من شعار العبيد أما الولد فله إدلال على الوالد وإنما يبرُّ به ولا يقنت، فكان إثبات القنوت كناية عن انتفاء الولدية بانتفاء لازمها لثبوت مُساوي نقيضه ومُساوي النقيض نقيضٌ وإثبات النقيض يستلزم نفي ما هو نقيض له. وفصل جملة {كل له قانتون} لقصد استقلالها بالاستدلال حتى لا يظن السامع أنها مكملة للدليل المسوق له قوله: {له ما في السماوات والأرض}. وقد استدل بها بعض الفقهاء على أن من ملك ولده أُعتق عليه لأن الله تعالى جعل نفي الولدية بإثبات العبودية فدل ذلك على تنافي الماهيتين وهو استرواح حسن. اهـ. .قال الفخر: .قال الجصاص: قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ}. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مِلْكَ الْإِنْسَانِ لَا يَبْقَى عَلَى وَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ نَفَى الْوَلَدَ بِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} يَعْنِي مُلْكَهُ وَلَيْسَ بِوَلَدِهِ؛ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} فَاقْتَضَى ذَلِكَ عِتْقَ وَلَدِهِ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَهُ وَقَدْ حَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي الْوَالِدِ إذَا مَلَكَهُ وَلَدُهُ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» فَدَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى عِتْقِ الْوَلَدِ إذَا مَلَكه أَبُوهُ، وَاقْتَضَى خَبَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِتْقَ الْوَالِدِ إذَا مَلَكَهُ وَلَدُهُ وَقَالَ بَعْضُ الْجُهَّالِ: إذَا مَلَكَ أَبَاهُ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ حَتَّى يُعْتِقَهُ لِقوله: «فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» وَهَذَا يَقْتَضِي عِتْقًا مُسْتَأْنَفًا بَعْدَ الْمِلْكِ فَجُهِلَ حُكْمُ اللَّفْظِ فِي اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُولَ مِنْهُ فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ بِالشِّرَى؛ إذْ قَدْ أَفَادَ أَنَّ شِرَاهُ مُوجِبٌ لِعِتْقِهِ؛ وَهَذَا كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النَّاسُ غَادِيَانِ: فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا، وَمُشْتَرٍ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا» يُرِيدُ أَنَّهُ مُعْتِقُهَا بِالشِّرَى لَا بِاسْتِئْنَافِ عِتْقٍ بَعْدَهُ. اهـ. .قال الفخر: سؤال: فإن قيل: كيف عمَّ بهذا القول وكثير من الخلق ليس له بمطيع؟ فعنه ثلاثة أجوبة. أحدها: أن يكون ظاهرها ظاهر العموم، ومعناها معنى الخصوص. والمعنى: كل أهل الطاعة له قانتون. والثاني: أن الكفار تسجد ظلالهم لله بالغدوات والعشيات، فنسب القنوت إليهم بذلك. والثالث: أن كل مخلوق قانت له بأثر صنعه فيه، وجري أحكامه عليه، فذلك دليل على ذله للرب. ذكرهن ابن الأنباري. اهـ. .قال السعدي: فالنوع الأول كما في هذه الآية، والنوع الثاني: كما في قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}. اهـ. .قال القاسمي:
|