الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.[سورة هود: آية 43] .الإعراب: جملة: {قال...} لا محلّ لها استئنافيّة. وجملة: {سآوي...} في محلّ نصب مقول القول. وجملة: {يعصمني...} في محلّ جرّ نعت لجبل. وجملة: {قال} الثانية لا محلّ لها استئناف بيانيّ. وجملة: {لا عاصم.. من أمر اللّه...} في محلّ نصب مقول القول. وجملة: {رحم...} لا محلّ لها صلة الموصول (من). وجملة: {حال.. الموج...} لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة. وجملة: {كان من المغرقين...} لا محلّ لها معطوفة على جملة حال. .[سورة هود: آية 44] .الإعراب: {على الجوديّ} جارّ ومجرور متعلّق بـ {استوت}، {الواو} عاطفة {قيل} مثل الأول {بعدا} مفعول مطلق لفعل محذوف أي ابعدوا أو بعدوا على الدعاء {للقوم} جارّ ومجرور متعلّق بالمصدر {بعدا}، {الظالمين} نعت للقوم مجرور وعلامة الجرّ الياء. جملة: {قيل...} لا محلّ لها استئنافيّة. وجملة: {يا أرض...} في محلّ رفع نائب الفاعل. وجملة: {ابلعي...} لا محلّ لها جواب النداء. وجملة: {يا سماء...} في محلّ رفع معطوفة على جملة يا أرض. وجملة: {أقلعي...} لا محلّ لها جواب النداء الثاني. وجملة: {غيض الماء...} لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة. وجملة: {قضي الأمر...} لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة. وجملة: {استوت على الجوديّ} لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة. وجملة: {قيل} الثانية لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة. وجملة: بعد {بعدا} في محلّ رفع نائب الفاعل. .الصرف: {استوت}، فيه إعلال بالحذف لالتقاء الساكنين، جاءت الألف ساكنة قبل تاء التأنيث فحذفت، وزنه افتعت. {الجوديّ}، اسم جامد لجبل بعينه، ويقال: كلّ جبل يقال له جوديّ. {بعدا}، مصدر سماعيّ لفعل بعد يبعد باب كرم وزنه فعل بضمّ فسكون. .البلاغة: وفي الكشاف: جعل البلع مستعارا لنشف الأرض الماء وهو أولى، فإن النشف دال على جذب من أجزاء الأرض لما عليها كالبلع بالنسبة إلى الحيوان، ولأن النشف فعل الأرض والغور فعل الماء، مع الطباق بين الفعلين تعديا، ثم استعار الماء للغذاء استعارة بالكناية تشبيها له بالغذاء لتقوى الأرض بالماء في الإنبات للزروع والأشجار تقوي الآكل بالطعام، وجعل قرينة الاستعارة لفظة {ابلعي...} لكونها موضوعة للاستعمال في الغذاء دون الماء. ثم قال جل وعلا: {ماءك...} بإضافة الماء إلى الأرض، على سبيل المجاز تشبيها لاتصال الماء بالأرض باتصال الملك بالمالك، واختار ضمير الخطاب لأجل الترشيح، وحاصله أن هناك مجازا لغويا في الهيئة الإضافية الدالة على الاختصاص الملكي، ولهذا جعل الخطاب ترشيحا لهذه الاستعارة من حيث أن الخطاب يدل على صلوح الأرض للمالكية. ثم اختار لاحتباس لمطر الإقلاع الذي هو ترك الفاعل الفعل للشبه بينهما في عدم ما كان من المطر أو الفعل، ففي {أقلعي...} استعارة باعتبار جوهره، وكذا باعتبار صيغته أيضا. وهي مبنية على تشبيه تكوين المراد بالأمر الجزم النافذ، والخطاب فيه أيضا ترشيح لاستعارة النداء. ثم قال سبحانه: {وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا...} فلم يصرح جل وعلا بمن غاض الماء، ولا بمن قضى الأمر وسوى السفينة وقال بعدا. كما لم يصرح سبحانه بقائل: {يا أَرْضُ... وَيا سَماءُ...} في صدر الآية، سلوكا في كل واحد من ذلك لسبيل الكناية، لأن تلك الأمور العظام لا تصدر إلا من ذي قدرة لا يكتنه، قهار لا يغالب فلا مجال لذهاب الوهم إلى أن يكون غيره جلت عظمته قائلا: {يا أَرْضُ...} و: {يا سَماءُ...}، ولا غائضا ما غاض، ولا قاضيا مثل ذلك الأمر الهائل، أو أن يكون تسوية السفينة وإقرارها بتسوية غيره. ثم إنه تعالى ختم الكلام بالتعريض، تنبيها لسالكي مسلك أولئك القوم، في تكذيب الرسل عليهم السلام، ظلما لأنفسهم لا غير وإظهارا لمكان السخط ولجهة استحقاقهم إياه، وأن قيامة الطوفان، وتلك الصورة الهائلة، ما كانت إلا لظلمهم، كما يؤذن بذلك الدعاء بالهلاك بعد هلاكهم، والوصف بالظلم مع تعليق الحكم به. وأما النظر فيها من جهة علم المعاني، وهو النظر في فائدة كل كلمة فيها، وجهة كل تقديم وتأخير فيما بين جملها، فذلك أنه اختير {يا...} دون سائر أخواتها لكونها أكثر في الاستعمال، وأنها دالة على بعد المنادي الذي يستدعيه مقام إظهار العظمة، وإبداء شأن العزة والجبروت. وأما من حيث النظر إلى ترتيب الجمل، فذلك أنه قدم النداء على الأمر، فقيل: {يا أَرْضُ ابْلَعِي... وَيا سَماءُ أَقْلِعِي...} دون أن يقال: ابلعي يا أرض واقلعي يا سماء، جريا على مقتضى اللازم- فيمن كان مأمورا حقيقة- من تقديم التنبيه، ليتمكن الأمر الوارد عقيبه في نفس المنادي، قصدا بذلك لمعنى الترشيح للاستعارة المكنية في الأرض والسماء، ثم قدم أمر الأرض على أمر السماء، لكونها الأصل، نظرا إلى كون ابتداء الطوفان منها حيث فار تنورها أولا. هذا كله نظرا في الآية من جانبي البلاغة، وقد ذكر ابن أبي الإصبع أن فيها عشرين ضربا من البديع مع أنها سبع عشرة لفظة، وذلك: المناسبة التامة في: {ابلعي...} و: {اقلعي...}، والاستعارة فيها، والطباق بين الأرض والسماء، والمجاز في {يا سَماءُ...} فإن الحقيقة يا مطر السماء، والإشارة في {وَغِيضَ الْماءُ...} فإنه عبر به عن معان كثيرة لأن الماء لا يفيض حتى يقلع مطر السماء وتبلع الأرض ما يخرج منها فينقص ما على وجه الأرض، والإرداف في {وَاسْتَوَتْ...}، والتمثيل في {وَقُضِيَ الْأَمْرُ...}، والتعليل فإن غيض الماء علة للاستواء، وصحة التقسيم فإنه استوعب أقسام الماء حال نقصه، والاحتراس في الدعاء لئلا يتوهم أن الغرق لعمومه شمل من لا يستحق الهلاك فإن عدله تعالى يمنع أن يدعو على غير مستحق، وحسن النسق، وائتلاف اللفظ مع المعنى، والإيجاز فإنه سبحانه قص القصة مستوعبة بأخصر عبارة، والتسهيم لأن أول الآية يدل على آخرها، والتهذيب لأن مفرداتها موصوفة بصفات الحسن، وحسن البيان من جهة أن السامع لا يتوقف في فهم معنى الكلام ولا يشكل عليه شيء منه، والتمكين لأن الفاصلة مستقرة في محلها مطمئنة في مكانها والانسجام، وزاد الجلال السيوطي الاعتراض. .الفوائد: لقد اشتملت هذه الآية على فنون من البلاغة تجاوزت خمسة وعشرين فنا، قد ذكرها علماء البلاغة مفصلة ولا مجال لعرضها، ولا يسع الإنسان إلا أن يخر ساجدا لعظمة اللّه عز وجل، وينحني أمام بيانه المعجز، مقرا بأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. ويروى أن عالما كبيرا حاول أن ينتقد القرآن الكريم وذلك باكتشاف عيب بسيط فيه، واستمرت المحاولة شهورا، وكان له جماعه يترددون عليه ويسألونه ما صنع؟ ولكنه في نهاية المطاف كسر القلم والدواة وقال: هذا كلام اللّه لا يناقش، ثم مر على مسجد فسمع غلاما يتلو هذه الآية فقال: ما كان لبشر أن يقول مثل هذا الكلام. 2- تعليق الإمام النسفي على هذه الآية: ومن جهة الفصاحة المعنوية، وهي كما ترى نظم للمعاني لطيف، وتأدية لها ملخصة مبينة، لا تعقيد يعتري الفكر في طلب المراد، ولا التواء يشكّك الطريق إلى المرتاد. ومن جهة الفصاحة اللفظية، فألفاظها على ما ترى عربية مستعملة، سليمة عن التنافر، بعيدة عن البشاعة، عذبة على العذبات، سلسة على الأسلات، كل منها كالماء في السلاسة، وكالعسل في الحلاوة، وكالنسيم في الرقة ومن ثم أطبق المعاندون على أن طوق البشر قاصر عن الإتيان بمثل هذه الآية. وللّه درّ شأن التنزيل، لا يتأمل العالم آية من آياته إلا أدرك لطائف لا تسع الحصر، ولا تظنّن الآية مقصورة على المذكور، فلعلّ المتروك أكثر من المسطور.
|