الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
يعني: الكفُرَّي ما كان في أكمامه وهو نضيد، أي منضود بعضه، فوق بعض، فإذا خرج من أكمامه فليس بنضيد. {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ}. وقوله: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ}. يقول: كيف نعيا عندهم بالبعث ولم نعى بخلقهم أولا؟ ثم قال: {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ}، أي هم في ضلال وشك. {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}. وقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ}. الهاء لما، وقد يكون ما توسوس أن تجعل الهاء للرجل الذي توسوس به- تريد- توسوس إليه وتحدثه. {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}. وقوله: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}. يقال: قعيد، ولم يقل: قعيدان. حدثنا الفراء قال: وحدثني حبان بن على عن الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس قال: قعيد عن اليمين وعن الشمال يريد- قُعود، فجعل القعيد جمعا، كما تجعل الرسول للقوم والاثنين. قال الله تعالى: {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِين} لموسى وأخيه، وقال الشاعر: فجعل الرسول للجمع، فهذا وجه، وإن شئت جعلت القعيد واحدًا اكتفى به من صاحبه، كما قال الشاعر: ومثله قول الفرزدق: وَلم يقل: غدورين. {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ}. وقوله: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} وفي قراءة عبدالله: {سكرة الحق بالموت}، فإن شئت أردت (بالحق) أنه الله عز وجل، وإن شئت جعلت السكرة هي الموت، أضفتها إلى نفسها كأنك قلت: جاءت السكرة الحقُّ بالموت، وقوله: {سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} يقول: بالحق الذي قد كان غير متبين لهم من أمر الآخرة، ويكون الحق هو الموت، أي جاءت سكرة الموت بحقيقة الموت. {لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَاذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}. وقوله: {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}. يقول: قد كنت تُكذب، فأنت اليوم عالم نافذ البصر، والبصر ها هنا: هو العلم ليس بالعين. {وَقال قَرِينُهُ هَاذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ}. وقوله: {هَاذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ}. رفعتَ العتيد على أن جعلته خبرا صلته لما، وإن شئت جعلته مستأنفا على مثل قوله: {هَذَا بَعْلِي شَيْخٌ}. ولو كان نصبا كان صوابا؛ لأن (هذا، وما)- معرفتان، فيقطع العتيد منهما. {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ}. وقوله: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ}. العرب تأمر الواحد والقوم بما يؤمر به الاثنان، فيقولون للرجل: قوما عنا، وسمعت بعضهم: ويحك! ارحلاها وازجرها، وأنشدني بعضهم: قال: ويروى: واجدزّ يريد: واجتز، قال: وأنشدني أبو ثروان: ونرى أن ذلك منهم أن الرجل أدنى أعوانه في إبله وغنمه اثنان، وكذلك الرَّفقة، أدنى ما يكونون ثلاثة، فجرى كلام الواحد على صاحبيه، ألا ترى الشعراء أكثر شيء، قيلا: يا صاحبيّ، يا خليلي، فقال امرؤ القيس: ثم قال: فقال: ألم تر، فرجع إلى الواحد، وأول كلامه اثنان، قال: وأنشدني آخر: وبعضهم: أنارا نرى. وقوله: {مَا أَطْغَيْتُهُ} يقوله الملَك الذي كان يكتب السيئات للكافر، وذلك أن الكافر قال: كان يعجلني عن التوبة، فقال: ما أطغيته يا رب، ولكن كان ضالا. {مَا يُبَدَّلُ الْقول لَدَيَّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}. قال الله تبارك وتعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقول لَدَيَّ}. أي: ما يُكْذَب عندي لعلمه عز وجل بغيب ذلك. {هَاذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَانَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ}. وقوله: {هَاذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} {مَّنْ خَشِيَ}. إن شئت جعلت (مَن) خفضا تابعة لقوله: (لكلّ)، وإن شئت استأنفتها فكانت رفعا يراد بها الجزاء. من خشي الرحمن بالغيب قيل له: ادخل الجنة، و(ادْخُلوها) جواب للجزاء أضمرتَ قبله القول وجعلته فعلًا للجميع؛ لأن مَن تكون في مذهب الجميع. {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُواْ فِي الْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ}. وقوله: {فَنَقَّبُواْ فِي الْبِلاَدِ}. قراءة القراء يقول: خرّقوا البلاد فساروا فيها، فهل كان لهم من الموت من محيص؟ أضمرت كان هاهنا كما قال: {وَكَأَيِّنْ مِّنْ قَرْيَةٍ هي أَشَدُّ قُوّةً مِّنْ قَرْيَتِكَ التي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُم}، والمعنى: فلم يكن لهم ناصر عند إهلاكهم. ومن قرأ: (فَنقِّبوا) في البلاد، فكسر القاف فإنه كالوعيد. أي: اذهبوا في البلاد فجيئوا واذهبوا. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}. وقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ}. يقول: لمن كان له عقل، وهذا جائز في العربية أن تقول: مالك قلب وما قلبك معك، وأين ذهب قلبك؟ تريد العقل لكل ذلك. وقوله: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ}. يقول: أو ألقى سمعه إلى كتاب الله وهو شهيد، أي شاهد ليس بغائب. {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ}. وقوله: {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ}. يقول: من إعياء، وذلك أن يهود أهل المدينة قالوا: ابتدأ خلق السماوات والأرض يوم لأحد، وفرغ يوم الجمعة، فاستراح يوم السبت، فأنزل الله: {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} إكذابا لقولهم، وقرأها أبو عبدالرحمن السلمى: {من لَغوب} بفتح اللام وهى شاذة. {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}. وقوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}. وإِدِبارَ. من قرأ: {وأدبار} جمعه على دُبُر وأدبار، وهما الركعتان بعد المغرب، جاء ذلك عن علي ابن أبي طالب أنه قال، وأدبار السجود: الركعتان بعد المغرب، {وإِدْبارَ النُّجومِ}. الركعتان (قبل الفجر) وكان عاصم يفتح هذه التي في قاف، وبكسر التي في الطور، وتكسران جميعًا، وتنصبان جميعًا جائزان. {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ}. وقوله: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ}. يقال: إن جبريل عليه السلام يأتى بيت المقدس فينادى بالحشر، فذلك قوله: {مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ}. {يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ}. وقوله: {يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا}. إلى المحشر وتُشَقق، والمعنى واحد مثل: مات الرجل وأميت. {نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقولونَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالقرآن مَن يَخَافُ وَعِيدِ}. وقوله: {وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ}. يقول: لست عليهم بمسلَّط، جعل الجبار في موضع السلطان من الجَبْريّة، قال أنشدني المفضل: أراد بالجبار: المنذر لولايته. وقال الكلبي بإسناده: لستَ عَلَيْهِمْ بجَبّار يقول: لم تبعث لتجبُرَهم على الإسلام والهدى؛ إنما بعثت مذكَّرا فذكّر، وذلك قبل أن يؤمر بقتالهم. والعرب لا تقول: فعّال من أفعلت، لا يقولون: هذا خَرّاج ولا دَخّال، يريدون مُدْخِل ولا مُخرِج من أدخلت وأخرجت، إنما يقولون: دخال من دخلت، وفعّال من فعلت: وقد قالت العرب: درّاك من أدركت، وهو شاذ، فإن حملت الجبار على هذا المعنى فهو وجه. وقد سمعت بعض العرب يقول: جبره على الأمر يريد: أجبره، فالجبار من هذه اللغة صحيح يراد به: يقهرهم ويجبرهم. اهـ. .قال بيان الحق الغزنوي: {والقرآن المجيد} جوابه محذوف. وتقديره قيل: ليبعثن، بدليل قوله: {أءذا متنا}. وقيل: إنك رسول الله، بدليل قوله: {بل عجبوا أن جاءهم منذر}. {قد علمنا ما تنقص الأرض منهم} أي: من يموت منهم. وقيل: علمنا الأجزاء التي تأكل الأرض منهم. قال أرطاة بن سهية: {مريج} مختلف مختلط. {وما لها من فروج} شقوق وفتوق. {وحب الحصيد} كل ما يحصد من الحبوب، ومثل هذه الإضافة قول ذي الرمة: أي: في أذن حرة الذفرى. {باسقات} [10] طوال. {لها طلع} كل ما يطلع من ثمر النخل. والنضيد: المنضود، المتراكب بعضه فوق بعض. وقال الحسن: هو الطبيع في كفراه. والطبيع: أم الطلع، وكفراه: وعاؤه. {كذلك الخروج} [11] أي: من القبور. وقيل: من بطون الأمهات. {أفعيينا} [15] عجزنا عن إهلاك الخلق، من تقدم ذكره ها هنا. {من حبل الوريد} [16] هو حبل العاتق، وهو الوتين، ينشأ من القلب، فينبث في البدم، والله أقرب منه، وعلمه أقرب إليه من علم القلب. {المتلقيان} [17] ملكان يتلقيان عمل العبد. {قعيد} رصد. {رقيب} [18] وهو خبر واحد عن اثنين، كأنه عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد، أو كل واحد منهما قعيد، كما قال البرجمي: {وجاءت سكرة الموت بالحق} [19] لهذه الباء تقديران: إن شئت علقتها بنفس {جاءت}، كقولك: جئت بزيد أي: أحضرته وأجأته. وإن شئت علقتها بمحذوف وجعلتها حالًا، أي: جاءت سكرة الموت ومعها الحق، كقولك: خرج بثيابه، أي: خرج وثيابه معه أو عليه. وقراءة أبي بكر رضي الله عنه: {وجاءت سكرة الحق بالموت}، لاتحادهما في الحال، ولا ينفصل أحدهما من صاحبه. وروي أن عائشة كانت عند أبي بكر وهو يقضي فأنشدت: فقال أبو بكر: بل قول الله: {وجاءت سكرة الحق بالموت}. {ذلك ما كنت منه تحيد} تحيد: تميل، قال طرفة: {معها سائق وشهيد} [21] سائق من الملائكة، وشهيد من أنفسهم. {فبصرك اليوم حديد} [22] علمك نافذ. {وقال قرينه} [23] أي: الملك الشهيد عليه، عن الحسن. وعن مجاهد: قرينه الذي قيض له من الشياطين. {هذا ما لدي عتيد} هذا عمله محصي عندي. وعلى قول مجاهد: المراد به العذاب. وقال الزجاج: {ما} في موضع رفع بقوله: {هذا}، و{عتيد} صفة {ما}، على قولهم: هذا حلو حامض، فيكون صفة بعد صفة، أو يجعل {ما} نكرة والمعنى: هذا شيء لدي عتيد. {ألقيا} [24] خطاب للملكين على قول من يقول: إن السائق والشهيد كلاهما من الملائكة. وقيل: ألقين بالنون الخفيفة، فأجرى الوصل فيه مجرى الوقف، كقول الحجاج: يا حرسي اضربا عنقه. وقيل: هو خطاب لمالك على مذهب العرب في تثنية خطاب الواحد، وقد مر شاهده. {مريب} [25] شاك متهم، قال جميل: {قال قرينه ربنا ما أطغيته} [27] على قول مجاهد: يقول شيطانه: ما أغويته. وعلى قول الحسن: يقول الكافر: رب إن الملك قد زاد علي في الكتابة. يقول الملك: ربنا ما أطغيته، أي: ما زدت عليه. فيقول الله: {لا تختصموا لدي} [28]. {ما يبدل القول لدي} [29] ما يكتب غير الحق، ولا يكذب عندي. {ادخلوها بسلام} [34] أي: مع سلامة من الزوال. {فنقبوا في البلاد} [36] ساروا في طرقها، وطوفوا في مسالكها. والنقب: الطريق في الجبل. وقيل: أظهروا آثارهم فيها من نقب الخف والحافر، إذا ظهر الحفار فيهما، قال:
|