الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)
.في الرَّجُلِ يَكْتَرِي الْحَانُوتَ مِنْ الرَّجُلِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ مَا يَعْمَلُ فيهَا: قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ. قُلْت: أَفيعْمَلُ فيهَا وَهُوَ حَدَّادٌ أَوْ قَصَّارٌ أَوْ طَحَّانٌ؟ قَالَ: إذَا كَانَ ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى الْبُنْيَانِ أَوْ فَسَادًا لِلْحَانُوتِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَرَرًا عَلَى الْبُنْيَانِ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ ذَلِكَ في الْحَانُوتِ وَإِنْ كَانَ قَدْ اشْتَرَطَ الْمُتَكَارِي عَلَى رَبِّ الْحَانُوتِ أَنْ يَعْمَلَ في الْحَانُوتِ حَدَّادٌ أَوْ قَصَّارٌ أَوْ طَحَّانٌ وَكَانَ ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى الْبُنْيَانِ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ ذَلِكَ في الْحَانُوتِ وَلَيْسَ لِرَبِّ الدَّارِ حُجَّةٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ أَكْرَاهَا مِنْهُ، وَقَدْ سَمَّى لَهُ الْمُتَكَارِي مَا يَعْمَلُ فيهِ وَقَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَكْرَى حَانُوتَهُ مِنْ رَجُلٍ فَإِذَا هُوَ جَزَّارٌ أَوْ قَصَّارٌ فَنَظَرْنَا فَإِذَا هُوَ لَا يَضُرُّ بِالْبُنْيَانِ إلَّا أَنَّهُ يَقْذُرُ الْحَانُوتُ فَقَالَ رَبُّ الْحَانُوتِ: لَا أَرْضَى أَنْ يَقْذُرَ عَلَيَّ حَانُوتِي؟ قَالَ: يَمْنَعُهُ إذَا كَانَ عَمَلُ الْمُتَكَارِي مِمَّا يَقْذُرُ عَلَيْهِ جِدَارَاتِ الْحَانُوتِ، فَإِنَّ هَذَا يَقَعُ فيهِ عَلَى رَبِّ الْحَانُوتِ ضَرَرٌ في الْحَانُوتِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ: إذَا كَانَتْ الْأَعْمَالُ في الْحَانُوتِ بَعْضُهَا أَضَرُّ مِنْ بَعْضٍ وَأَكْثَرُ كِرَاءً فَلَا يَجُوزُ الْكِرَاءُ إلَّا عَلَى شَيْءٍ مَعْرُوفٍ يَعْمَلُ فيهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَخْتَلِفُ فَلَا بَأْسَ بِهِ. .الدَّعْوَى في الْكِرَاءِ: قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدَّارِ وَيَتَحَالَفَانِ، وَهَذَا مِثْلُ الْبُيُوعِ. قُلْت: فَإِنْ كَانَ قَدْ سَكَنَ الْمُتَكَارِي يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَفَا كَمَا ذَكَرْتُ لَكَ؟ قَالَ: أَمَّا الْيَوْمُ وَالْيَوْمَانِ فَهُوَ عِنْدِي قَرِيبٌ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَقْبِضْ مَا اشْتَرَى أَوْ مَنْ قَبَضَ مَا اشْتَرَى وَتَفَرَّقَا فَاخْتَلَفَا بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا لَمْ تَفُتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدَّارِ مَعَ يَمِينِهِ. قُلْت: فَإِنْ كَانَ قَدْ سَكَنَ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ السَّنَةِ؟ قَالَ: يَتَحَالَفَانِ وَيَدْفَعُ إلَيْهِ السَّاكِنُ عَلَى حِسَابِ مَا سَكَنَ مِنْ قِيمَةِ سُكْنَى مِثْلِ الدَّارِ وَيَتَفَاسَخَانِ فيمَا بَقِيَ. قُلْت: فَإِنْ قَالَ الْمُتَكَارِي: تَكَارَيْتُهَا بِكَذَا وَكَذَا لِشَيْءٍ لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كِرَاءُ الدَّارِ سَنَةً، وَقَالَ رَبُّ الدَّارِ: أَكْرَيْتُ بِكَذَا أَوْ كَذَا لِشَيْءٍ لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كِرَاءُ الدَّارِ سَنَةً، أَيَنْفَسِخُ الْكِرَاءُ بَيْنَهُمَا أَمْ يُرَدُّ إلَى كِرَاءِ مِثْلِ الدَّارِ وَهَذَا يُقِرُّ بِمَا قَدْ سَكَنَ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ؟ قَالَ: يُرَدُّ إلَى كِرَاءِ مِثْلِهَا فيمَا سَكَنَ وَيُفْسَخُ الْكِرَاءُ بَيْنَهُمَا فيمَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ وَهَذَا كُلُّهُ مِثْلُ الْبُيُوعِ. قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَسْكَنْته دَارِي فَلَمَّا مَضَى شَهْرٌ. قُلْت: لَهُ أَعْطِنِي الْكِرَاءَ فَقَالَ: إنَّمَا أَسَكَنْتنِي بِغَيْرِ كِرَاءٍ؟ قَالَ: يَغْرَمُ الْكِرَاءَ وَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ بِغَيْرِ كِرَاءٍ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ في الْكِرَاءِ قَوْلَ رَبِّ الدَّارِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كِرَاءَ الدَّارِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ أَسْكَنَهُ بِكِرَاءٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَكُونُ عَلَى السَّاكِنِ قِيمَةُ مَا سَكَنَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَى الْمُكْرِي بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْت مِنْ رَجُلٍ دَارًا لَهُ فَلَمْ أَسْكُنْ حَتَّى اخْتَلَفْنَا في الْكِرَاءِ فَقُلْت: أَنَا اكْتَرَيْتهَا مِنْكَ بِمِائَةِ إرْدَبٍّ حِنْطَةٍ هَذِهِ السَّنَةَ، وَقَالَ رَبُّ الدَّارِ: بَلْ أَكْرَيْتُكَ بِمِائَةِ دِينَارٍ قَالَ: يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ الْكِرَاءَ، وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ إذَا اخْتَلَفَا فيهِ فَهَذَا مِثْلُ ذَلِكَ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ قَدْ سَكَنَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَفَا بِحَالِ مَا ذَكَرْتُ لَكَ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ يَتَحَالَفَا، وَيُفْسَخَ الْكِرَاءُ بَيْنَهُمَا وَيَكُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ مَا سَكَنَ مِنْ قِيمَةِ السُّكْنَى وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ: اكْتَرَيْتُ مِنْكَ سَنَةً بِدِينَارٍ وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ أَجَّرْتُكَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَقَالَا جَمِيعًا مَا لَا يُشْبِهُ تَحَالُفًا وَتَفَاسُخًا، وَكَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ مَا سَكَنَ مِنْ قِيمَةِ السُّكْنَى، فَاخْتِلَافُ الْعَدَدِ في الْكِرَاءِ إذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مَا لَا يُشْبِهُ مِنْ الْعَدَدِ كَاخْتِلَافِهِمَا في السِّلْعَتَيْنِ. .دَعْوَى الْمُكْتَرِي في الدَّارِ مَرَمَّةَ الدَّارِ: قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدَّارِ في كُلِّ شَيْءٍ هُوَ في بُنْيَانِ الدَّارِ أَوْ فُرُشٍ أَوْ مَا هُوَ مِنْ الْبُنْيَانِ. قُلْت: فَكُلُّ شَيْءٍ كَانَ في الدَّارِ لَيْسَ في الْبُنْيَانِ مَنْ حَجَرٍ مُلْقًى أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ سَارِيَةٍ أَوْ بَابٍ مُلْقًى فَاخْتَلَفَ في ذَلِكَ رَبُّ الدَّارِ وَالْمُتَكَارِي؟ قَالَ: أَرَى الْقَوْلَ قَوْلَ الْمُتَكَارِي. قُلْت: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟ قَالَ: هُوَ رَأْيِي. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْت دَارًا سَنَةً فَقَالَ رَبُّ الدَّارِ: أَنْفِقْ في مَرَمَّةِ الدَّارِ مِنْ كِرَاءِ الدَّارِ، فَلَمَّا انْقَضَى الْأَجَلُ قَالَ الْمُتَكَارِي: قَدْ أَنْفَقْت مِنْ كِرَاءِ الدَّارِ في مَرَمَّةِ الدَّارِ كَذَا وَكَذَا، وَقَالَ رَبُّ الدَّارِ: لَمْ تَفْعَلْ، الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ؟ قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُتَكَارِي إذَا كَانَ في الدَّارِ أَثَرٌ يُصَدِّقُ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِأَمْرٍ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى كَذِبِهِ وَلِلنَّفَقَاتِ وُجُوهٌ لَا تُجْهَلُ فَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ كَاذِبٌ فيمَا يَقُولُ غَرِمَ لِرَبِّ الدَّارِ الْكِرَاءَ. قُلْت: وَلِمَ جَعَلْتَ الْقَوْلَ في النَّفَقَةِ قَوْلَ الْمُتَكَارِي؟ قَالَ: لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ عَلَى ذَلِكَ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ رَبُّ الدَّارِ: قَدْ أَمَرْتُكَ أَنْ تُنْفِقَ وَتَبْنِيَ مِنْ كِرَاءِ الدَّارِ فَلَمْ تُنْفِقْ وَلَمْ تَبْنِ، وَقَالَ الْمُتَكَارِي: قَدْ بَنَيْتُ هَذَا الْبَيْتَ؟ قَالَ: يُنْظَرُ في ذَلِكَ الْبَيْتِ فَإِنْ كَانَ يُعْلَمُ أَنَّهُ جَدِيدٌ وَأَنَّهُ مِمَّا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بُنْيَانِ الْمُتَكَارِي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُتَكَارِي، وَإِنْ اُسْتُدِلَّ عَلَى كَذِبِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الدَّارِ، وَقَدْ قَالَ غَيْرُهُ: عَلَى السَّاكِنِ الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّ الْكِرَاءَ دَيْنٌ عَلَيْهِ فَلَا يُخْرِجُهُ مِنْ الدَّيْنِ إلَّا الْبَيِّنَةُ، وَعَلَى رَبِّ الدَّارِ الْيَمِينُ. .في نَقْضِ الْمُتَكَارِي مَا عَمَّرَ إذَا انْقَضَى أَجَلُ سُكْنَاهُ: قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُنْظَرُ فيمَا أَحْدَثَ الْمُتَكَارِي فَإِنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ إنْ قَلَعَهُ قِيلَ لِرَبِّ الدَّارِ: أَعْطِهِ قِيمَتَهُ مَنْقُوضًا، وَمَا كَانَ في ذَلِكَ الْبُنْيَانِ مِنْ جَصٍّ أَوْ طِينٍ إذَا هُوَ قَلَعَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُتَكَارِي فيهِ مَنْفَعَةٌ فَلَا يُقَوَّمُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فيهِ مَنْفَعَةٌ فيقَوَّمُ، فَإِنْ رَضِيَ رَبُّ الدَّارِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِقِيمَتِهِ مَنْقُوضًا كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُتَكَارِي أَنْ يَنْقُضَهُ إذَا أَعْطَاهُ رَبُّ الدَّارِ قِيمَتَهُ مَنْقُوضًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» فَإِنْ أَبَى رَبُّ الدَّارِ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَتَهُ مَنْقُوضًا كَانَ لِلْمُتَكَارِي أَنْ يَقْلَعَ بُنْيَانَهُ. قُلْت: وَهُوَ سَوَاءٌ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا كَانَ أَذِنَ لَهُ رَبُّ الدَّارِ أَنْ يُحْدِثَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ رَبَّ الدَّارِ يَقُولُ لَمْ آذَنْ لَكَ حِينَ أَذِنْتَ لَكَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَغْرَمَ لَكَ شَيْئًا إنَّمَا أَذِنْتُ لَكَ لِتَرْتَفِقَ فيكُونُ الْقَوْلُ كَمَا فَسَّرْتُ لَكَ وَرَدَدْتُهُ عَلَى مَالِكٍ غَيْرَ عَامٍّ فَقَالَ مِثْلَ مَا قُلْت لَكَ. قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي أَكْرَيْتُ دَارِي مِنْ رَجُلٍ فَبَنَى في الدَّارِ وَعَمَّرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ آمُرَهُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى رَبِّ الدَّارِ شَيْءٌ وَيُقَالُ لَهُ: اقْلَعْ بُنْيَانَكَ إنْ كَانَ لَكَ فيهِ مَنْفَعَةٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّ الدَّارِ أَنْ يُعْطِيَكَ قِيمَةَ مَا لَكَ فيهِ مَنْفَعَةٌ مِنْ بُنْيَانِكَ هَذَا مَقْلُوعًا، وَالْخِيَارُ في ذَلِكَ إلَى رَبِّ الدَّارِ. .في الرَّجُلِ يُوَكِّلُ الرَّجُلَ يُكْرِي دَارِهِ فَتَعَدَّى فَوَهَبَهَا أَوْ رَهَنَهَا: قَالَ: هَذَا عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ وَقَدْ أَخْبَرْتُكَ في الْبَيْعِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا بَاعَ بِغَيْرِ مَا يَتَبَايَعُ بِهِ النَّاسُ أَوْ حَابَى في ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ. قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ بِغَيْرِ مَا يَتَبَايَعُ بِهِ النَّاسُ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَمَرْتُ رَجُلًا أَنْ يُكْرِيَ دَارِيَ فَأَعَارَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا أَوْ أَسْكَنَهَا أَوْ حَابَى فيهَا ثُمَّ جِئْتُ أَطْلُبُ الْكِرَاءَ؟ قَالَ: إنْ كَانَ الَّذِي أَمَرْتَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا فَتَصَدَّقَ أَوْ وَهَبَ أَوْ أَعَارَ أَوْ أَسْكَنَ أَوْ حَابَى مَلِيًّا أُخِذَ مِنْهُ كِرَاءُ الدَّارِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى سَاكِنِهَا بِمَا أَخَذَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَلِيًّا أَخَذَ رَبُّ الدَّارِ الْكِرَاءَ مِنْ السَّاكِنِ في الدَّارِ، وَلَيْسَ لِلسَّاكِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الَّذِي وَهَبَهَا لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا أَوْ أَسْكَنَهَا إيَّاهُ أَوْ أَعَارَهَا لَهُ، وَقَدْ أَخْبَرْتُكَ بِهِ في غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَيْضًا. .في مُتَكَارِي الدَّارِ يُفْلِسُ: قَالَ: يَكُونُ رَبُّ الدَّارِ أَوْلَى مِنْ الْغُرَمَاءِ في قَوْلِ مَالِكٍ بِمَا بَقِيَ مِنْ السُّكْنَى بِنِصْفِ الْكِرَاءِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْغُرَمَاءُ أَنْ يَدْفَعُوا إلَى رَبِّ الدَّارِ مَا يُصِيبُ مَا بَقِيَ مِنْ الشُّهُورِ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ نِصْفُ الْكِرَاءِ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْكِرَاءِ فيكُونُ مَا بَقِيَ مِنْ هَذَا مِنْ السُّكْنَى لِلْغُرَمَاءِ يَكْرُونَهُ في دَيْنِهِمْ. قَالَ سَحْنُونٌ: وَإِنْ أَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُ ذَلِكَ كَانَ الْمُكْرِي بِالْخِيَارِ إنْ أَحَبَّ أَنْ يُسَلِّمَ مَا بَقِيَ مِنْ سُكْنَى الدَّارِ لِلْغُرَمَاءِ يَكْرُونَهُ، وَيُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ مَا بَقِيَ مِنْ السُّكْنَى بِمَا يُصِيبُهُ مِنْ الْكِرَاءِ وَيَضْرِبَ بِمَا بَقِيَ لَهُ مَعَ الْغُرَمَاءِ في جَمِيعِ مَالِ الْمُفْلِسِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ. .كِتَابُ كِرَاءِ الْأَرَضِينَ: .(في الرَّجُلِ يَكْتَرِي الْأَرْضَ سِنِينَ لِيَزْرَعَهَا فيغُورُ بِئْرُهَا): قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْت أَرْضًا مِنْ رَجُلٍ ثَلَاثَ سِنِينَ أَيَجُوزُ هَذَا الْكِرَاءُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَتَكَارَى الْأَرْضَ ثَلَاثَ سِنِينَ فيزْرَعُهَا سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ فَتَغُورُ بِئْرُهَا أَوْ تَنْقَطِعُ عَيْنُهَا كَيْفَ يُحَاسِبُ صَاحِبَهَا، أَيَقْسِمُ الْكِرَاءَ عَلَى السِّنِينَ إنْ كَانَ تَكَارَاهَا ثَلَاثَ سِنِينَ بِثَلَاثِينَ دِينَارًا وَيَجْعَلُ لِكُلِّ سَنَةٍ عَشَرَةً عَشَرَةً؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا وَلَكِنْ يَحْسِبُ عَلَى قَدْرِ نِفَاقِهَا وَتَشَاحِّ النَّاسِ فيهَا. قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِي: وَلَيْسَ كِرَاءُ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَاحِدًا وَرَأَيْتُهُ حِينَ فَسَّرَهُ لِي أَنَّ الْأَرْضَ بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ يَتَكَارَى سَنَةً، وَلِلسَّنَةِ أَشْهُرٌ قَدْ عَرَفَ نِفَاقَهَا في السَّنَةِ فَالْمُتَكَارِي يُعْطِي الْكِرَاءَ لِلسَّنَةِ كُلِّهَا وَإِنَّمَا جُلُّ مَا يُعْطِي مِنْ الْكِرَاءِ لِتِلْكَ الْأَشْهُرِ قَدْ عَرَفَ ذَلِكَ الْمُكْرِي وَالْمُتَكَارِي وَالنَّاسُ في مِثْلِ دُورِ مَكَّةَ في نِفَاقِهَا أَيَّامَ الْمَوْسِمِ وَمِثْلِ فَنَادِقَ تَكُونُ بِالْمَدِينَةِ وَبِمِصْرِ يَنْزِلُهَا النَّاسُ أَيَّامَ الْحَجِّ وَأَيَّامَ الْأَسْوَاقِ بِالْفُسْطَاطِ فَهَذَا الَّذِي قَالَ لِي مَالِكٌ في الْأَرَضِينَ كُلِّهَا حِينَ قُلْت لَهُ: أَيَقْسِمُ الْكِرَاءَ عَلَى السِّنِينَ بِالسَّوِيَّةِ؟ فَقَالَ لِي: لَا، وَلَكِنْ عَلَى تَشَاحِّ النَّاسِ فيهَا وَنِفَاقِهَا عِنْدَ النَّاسِ؛ قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ مَا يُنْقَدُ فيهِ كَمَنْ يُسْتَأْخَرُ نَقْدُهُ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ في كِرَاءِ الْأَرَضِينَ لَيْسَ كِرَاؤُهَا في الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ وَاحِدًا إذَا أُصِيبَتْ بِقَطْعِ الْمَاءِ. .في الرَّجُلِ يَكْتَرِي الْأَرْضَ لِيَزْرَعَهَا فيغْرَقُ بَعْضُهَا قَبْلَ الزِّرَاعَةِ: قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الْأَرْضِ إذَا تَكَارَاهَا الرَّجُلُ فَعَطِشَ بَعْضُهَا. قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الَّذِي عَطِشَ مِنْهَا هُوَ أَكْثَرَ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا بَقِيَ مِنْهَا التَّافِهُ الْيَسِيرُ رَدَّهَا كُلَّهَا. وَإِنْ كَانَ الَّذِي عَطِشَ مِنْهَا التَّافِهَ الْيَسِيرَ لَيْسَ هُوَ جُلَّ الْأَرْضِ - وُضِعَ عَنْهُ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ الَّذِي عَطِشَ وَلَزِمَهُ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَرْضِ بِحِسَابِهِ مِنْ الْكِرَاءِ، فَكَذَلِكَ مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ الْأَرْضِ إذَا غَرِقَتْ؛ لِأَنَّ الْعَطَشَ وَالْغَرَقَ سَوَاءٌ عِنْدَ مَالِكٍ. قُلْت: وَكَيْفَ يُوضَعُ عَنْهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ أَيَنْظُرُ إلَى قِيَاسِهِ مِنْ الْأَرْضِ أَمْ يَنْظُرُ إلَى كَرَمِهَا وَرَغْبَةِ النَّاسِ فيهَا وَجَوْدَتِهَا عِنْدَ النَّاسِ فيمَا غَرِقَ مِنْهَا وَمَا بَقِيَ فيفُضُّ الْكِرَاءَ عَلَى كَرَمِهَا وَعَلَى رَدَاءَتِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ إنَّمَا يَنْظُرُ في ذَلِكَ إلَى كَرَمِهَا وَغَيْرِ الْكَرَمِ فيفُضُّ الْكِرَاءَ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً. قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهَا وَبَقِيَ بَعْضُهَا فَهُوَ مِثْلُ مَا وَصَفْتُ لِي في الْغَرَقِ إنْ اُسْتُحِقَّ الْقَلِيلُ مِنْهَا أَوْ الْكَثِيرُ قَالَ: نَعَمْ هُوَ رَأْيِي. .في اكْتِرَاءِ أَرْضِ الْمَطَرِ سِنِينَ وَالنَّقْدِ فيهَا: قَالَ: نَعَمْ إذَا لَمْ يُنْقِدْ. قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ قَدْ أَمْكَنَتْ لِلْحَرْثِ عَامَهَا هَذَا؟ قَالَ: فَلَا بَأْسَ بِالنَّقْدِ في هَذَا الْعَامِ الْوَاحِدِ الَّذِي قَدْ أَمْكَنَتْ فيهِ الْحَرْثَ. قُلْت: فَكَمْ يُنْقِدُهُ؟ قَالَ: كِرَاءَ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْت أَرْضًا مِنْ أَرْضِ الْمَطَرِ الَّتِي لَا يَصْلُحُ فيهَا النَّقْدُ وَشَرَطَ عَلَيَّ صَاحِبُهَا النَّقْدَ أَيَبْطُلُ هَذَا الْكِرَاءُ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ الْكِرَاءُ بَاطِلٌ عِنْدَ مَالِكٍ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ تَكَارَيْتُ مِنْهُ أَرْضَهُ هَذِهِ السَّنَةَ، وَهِيَ مِنْ أَرْضِ الْمَطَرِ قُرْبَ الْحَرْثِ وَنَحْنُ نَتَوَقَّعُ الْمَطَرَ أَيَصْلُحُ أَنْ أَنْقُدَ لِقُرْبِ مَا نَرْجُو مِنْ الْمَطَرِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَصْلُحُ النَّقْدُ فيهَا إلَّا بَعْدَ مَا تُرْوَى، وَيُمَكَّنُ مِنْ الْحَرْثِ. قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ قَالَ غَيْرُهُ مِنْ الرُّوَاةِ: لَا تُكْرَى الْأَرْضُ الَّتِي تَشْرَبُ بِالْمَطَرِ الَّتِي تُرْوَى مَرَّةً وَتَعْطَشُ أُخْرَى إلَّا قُرْبَ الْحَرْثِ، وَوُقُوعِ الْمَطَرِ أَجَازَهُ الرُّوَاةُ وَلَمْ يَرَوْا فيهِ تُهْمَةً إذَا لَمْ يَنْقُدْ، وَلَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِنَقْدٍ حَتَّى تُرْوَى رَيًّا مُتَوَالِيًا يُجْزِي وَيَكُونُ مُبْلِغًا لَهُ كُلِّهِ أَوْ لِأَكْثَرِهِ مَعَ رَجَائِهِ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَطَرِ، وَلَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا إلَّا سَنَةً وَاحِدَةً. أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَمْ يُجِيزُوا كِرَاءَهَا بِغَيْرِ نَقْدٍ إلَّا قُرْبَ الْحَرْثِ وَوُقُوعِ الْمَطَرِ فَكَيْفَ تَجُوزُ السَّنَةَ بَعْدَ السَّنَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَرْضًا مَأْمُونَةً كَأَمْنِ النِّيلِ في سَقْيِهِ، فَلَا بَأْسَ بِكِرَائِهَا وَتَعْجِيلِ النَّقْدِ وَبِغَيْرِ التَّعْجِيلِ قُرْبَ إبَّانِ شُرْبِهَا وَرَيِّهَا. اللَّيْثُ وَابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي حَبِيبٍ وَابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ: أَنْ لَا تُكْرَى أَرْضُ مِصْرَ حَتَّى يَجْرِيَ عَلَيْهَا الْمَاءُ وَتُرْوَى. قَالَ اللَّيْثُ: لَا أَرَى أَنْ تُكْرَى الْأَرْضُ الَّتِي تَشْرَبُ بِالْمَطَرِ وَلَا كُلُّ أَرْضٍ تُرْوَى مَرَّةً وَتَعْطَشُ أُخْرَى حَتَّى تُرْوَى إلَّا أَنْ تَكُونَ أَرْضًا مَأْمُونَةً لَا يُخْطِئُهَا أَنْ تَشْرَبَ في كُلِّ عَامٍ. .(في الرَّجُلِ يَكْتَرِي أَرْضَ الْمَطَرِ وَقَدْ أُمْكِنَتْ مِنْ الْحَرْثِ): قُلْت: أَرَأَيْتَ الْأَرْضَ إنْ أَمْكَنْتنِي الْأَرْضَ مِنْ الْحَرْثِ فَتَكَارِيَتُهَا ثُمَّ قَحَطَتْ السَّمَاءُ عَنْهَا فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى الْحَرْثِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ لَمْ يَأْتِهِ مِنْ الْمَطَرِ مَا يُتِمُّ بِهِ زَرْعَهُ فَلَا كِرَاءَ لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ الْعَيْنُ وَالْبِئْرُ إذَا انْهَارَتْ قَبْلَ أَنْ يَتِمَّ زَرْعُ الرَّجُلِ فَهَلَكَ الزَّرْعُ بِذَهَابِ الْمَاءِ فَلَا كِرَاءَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ أَخْذُهُ الْكِرَاءَ لِأَمْنِ الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ وَكَثْرَةِ مَائِهَا رَدَّهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَأْخُذْهُ فَذَلِكَ عَنْهُ مَوْضُوعٌ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ جَاءَهَا مَاءٌ فَأَقَامَ عَلَيْهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَزْرَعَهَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْقَحْطِ الْكِرَاءُ عَنْهُ مَوْضُوعٌ، وَلَكِنْ إنْ زَرَعَ فَجَاءَ بَرَدٌ فَأَذْهَبَ زَرْعَهُ كَانَ الْكِرَاءُ عَلَيْهِ ضَامِنًا. قَالَ مَالِكٌ: فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْجَرَادِ وَالْجَلِيدِ يُصِيبُهُ، وَإِنَّمَا مُنِعَ صَاحِبُ الْأَرْضِ الْكِرَاءَ إذَا لَمْ يَأْتِ مِنْ الْمَاءِ مَا يُتِمُّ بِهِ زَرْعَ هَذَا الْمُتَكَارِي مَاءُ السَّمَاءِ كَانَ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْعُيُونِ وَالْآبَارِ، فَقِيلَ لِمَالِكٍ: فَإِنْ جَاءَهُ مَاءٌ كَفَى بَعْضُهُ وَهَلَكَ بَعْضُهُ. قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الَّذِي حَصَدَ شَيْئًا لَهُ قَدْرٌ وَمَنْفَعَةٌ أَعْطَى مِنْ الْكِرَاءِ بِحِسَابِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَدْرٌ وَلَمْ يَكُنْ فيهِ مَنْفَعَةٌ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ مِنْ الْكِرَاءِ شَيْءٌ. يُونُسُ، عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ في الْأَرْضِ يُؤَاجِرُهَا صَاحِبُهَا أَوْ يُكْرِيهَا قَالَ: حَلَالٌ إلَّا أَنْ يَنْقَطِعَ مَاؤُهَا أَوْ بَعْضُهُ أَوْ تَكُونَ بَعْلًا فيقْحَط عَنْهُ الْمَطَرُ فَلَا أَرَى عَلَيْهِ إذَا انْقَطَعَ الْمَاءُ الَّذِي عَلَيْهِ اكْتَرَى شَيْئًا. .في أَرْضِ الْمَطَرِ تَسْتَغْدِرُ، وَفيهَا الزَّرْعُ: قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّ ذَلِكَ إنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ الْحَرْثِ فَهُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْبَرَدِ وَالْجَلِيدِ وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ إنَّمَا اسْتَغْدَرَتْ في أَيَّامِ الْحَرْثِ فَقَتَلَتْ زَرْعَهُ الَّذِي كَانَ زَرْعَ فيهَا، وَالْمَاءُ إنْ انْكَشَفَ عَنْهَا قَدَرَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا ثَانِيَةً فَلَمْ يَنْكَشِفْ الْمَاءُ عَنْهَا حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ الْحَرْثِ، فَإِنَّ هَذَا مِثْلُ الرَّجُلِ يَتَكَارَى الْأَرْضَ فَتَغْرَقُ في أَيَّامِ الْحَرْثِ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: إنَّ الْأَرْضَ إذَا اكْتَرَاهَا الرَّجُلُ فَجَاءَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَمْنَعُهُ الزَّرْعَ أَنَّهُ لَا كِرَاءَ عَلَيْهِ، فَهَذَا مِثْلُ الَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ قَدْ زَرْعَهَا ثُمَّ جَاءَهُ الْمَاءُ فَغَرِقَ زَرْعُهُ في أَيَّامِ الْحَرْثِ وَهُوَ لَوْ أَنَّ الْمَاءَ انْكَشَفَ عَنْ الْأَرْضِ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْحَرْثِ؛ لِأَنَّ إبَّانَ الْحَرْثِ لَمْ يَذْهَبْ فَمَنَعَهُ الْمَاءُ مِنْ أَنْ يُعِيدَ زَرْعَهُ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ أَصَابَهَا في زَمَانِ الْحَرْثِ فَهَلَكَ زَرْعُهُ ثُمَّ انْكَشَفَ الْمَاءُ في إبَّانٍ يُدْرِكُهُ فيهِ الْحَرْثُ فَالْكِرَاءُ لَهُ لَازِمٌ؛ لِأَنَّهُ يُدْرِكُ أَنْ يَزْرَعَ وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا أَصَابَهَا بَعْدَ ذَهَابِ أَيَّامِ الْحَرْثِ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْجَرَادِ وَالْجَلِيدِ وَالْبَرَدِ، وَالْكِرَاءُ لَازِمٌ. .في اكْتِرَاءِ أَرْضِ النِّيلِ وَأَرْضِ الْمَطَرِ قَبْلَ أَنْ تَطِيبَ لِلْحَرْثِ: قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ ذَلِكَ جَائِزٌ فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مِثْلَ أَرْضِ مِصْرَ مَأْمُونَةً فَإِنَّهَا تُرْوَى فَالنَّقْدُ في ذَلِكَ جَائِزٌ. قَالَ: فَقِيلَ لِمَالِكٍ: فَأَرْضُ الْمَطَرِ أَيَجُوزُ النَّقْدُ فيهَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ أَرْضُ الْمَطَرِ عِنْدِي بَيِّنًا كَبَيَانِ النِّيلِ، فَقِيلَ لِمَالِكٍ: إنَّا قَدْ اخْتَبَرْنَاهَا فَلَا تَكَادُ أَنْ تُخْلِفَ وَهِيَ أَرْضٌ لَمْ تُخْلِفْ مُنْذُ زَمَانٍ. قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: النِّيلُ عِنْدِي أَبْيَنُ شَأْنًا. قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَرْضُ أَرْضُ الْمَطَرِ بِحَالِ مَا وَصَفْتُمْ فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ وَالنِّيلُ أَبْيَنُ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَتْ أَرْضٌ تُخْلِفُ فَلَا يَصْلُحُ النَّقْدُ فيهَا حَتَّى تُرْوَى وَتُمَكَّنَ لِلْحَرْثِ كَانَتْ مِنْ أَرْضِ النِّيلِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَهِيَ في هَذَا سَوَاءٌ إلَّا أَنْ يَتَكَارَاهَا وَلَا يَنْقُدَ. قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلَ رَجُلٌ مَالِكًا وَأَنَا عِنْدَهُ قَاعِدٌ عَنْ الرَّجُلِ يَتَكَارَى الْأَرْضَ، وَلَهَا بِئْرٌ قَدْ قَلَّ مَاؤُهَا وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لَا يَكْفي زَرْعَهُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَكَارَى أَرْضًا لَهَا مَاءٌ لَيْسَ في مِثْلِهِ مَا يَكْفي زَرْعَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنَّمَا كَرِهَهُ مِنْ وَجْهِ الْغَرَرِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: هُوَ مَا تَرَى فَإِنْ سَلِمَتْ كَانَ لَكَ، وَإِنْ لَمْ تَسْلَمْ زَرْعُكَ فَلَا شَيْءَ لَكَ عَلَيَّ كَأَنَّهُمَا تَخَاطَرَا. قُلْت: وَكَيْفَ يَكُونُ هَاهُنَا الْخِطَارُ وَأَنَا أَقُولُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ: إنْ لَمْ يَسْلَمْ زَرْعُ هَذَا الرَّجُلِ رَدَدْتُ إلَيْهِ الْكِرَاءَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لِأَنَّ الزَّرْعَ إذَا ذَهَبَ مِنْ قِبَلِ الْمَاءِ رَدَّ الْكِرَاءَ عَلَى الْمُتَكَارِي. قَالَ: فَذَلِكَ يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهُمَا تَخَاطَرَا لَوْ عَلِمَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنَّ في بِئْرِهِ مَا يَكْفي لِزَرْعِ مَا أَكْرَاهَا بِضِعْفِ ذَلِكَ الْكِرَاءِ فَذَلِكَ يَدُلُّكَ عَلَى الْمُخَاطَرَةِ فيمَا بَيْنَهُمَا، وَأَنَّ الَّذِي اكْتَرَى الْأَرْضَ، وَفيهَا الْمَاءُ الْمَأْمُونُ لَمْ يَتَخَاطَرْ عَلَى شَيْءٍ، فَإِنْ انْقَطَعَ مَاؤُهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ قَلَّ، فَإِنَّمَا هِيَ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ مِنْ السَّمَاءِ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَكَ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْكِرَاءِ الصَّحِيحِ عَلَى الْمَاءِ الْكَثِيرِ إنْ انْقَطَعَ مَاؤُهَا بَعْدَ مَا زَرَعَ بِتَهَوُّرِ بِئْرٍ أَوْ انْهِدَامِ عَيْنٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُصْلِحَهَا بِكِرَاءِ تِلْكَ السَّنَةِ الَّتِي تَكَارَاهَا عَلَى مَا أَحَبَّ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَوْ كَرِهَ، وَأَنَّ هَذَا الْآخَرَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: أَنَا أَعْمَلُهَا حَتَّى يَزْدَادَ الْمَاءُ فَأَرْوِيَ زَرْعِي إذَا أَبَى ذَلِكَ رَبُّهَا. قَالَ سَحْنُونٌ: وَهُوَ مِنْ أَصْلِ قَوْلِ مَالِكٍ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يُتَّهَمْ هَذَانِ اللَّذَانِ تَقَدَّمَا عَلَى الْمَاءِ الْكَثِيرِ الْمَأْمُونِ في تَعْجِيلِ النَّقْدِ بِمِثْلِ مَا اُتُّهِمَا عَلَيْهِ في تَعْجِيلِ النَّقْدِ في الْمَاءِ الَّذِي لَيْسَ بِمَأْمُونٍ لِمَا انْتَفَعَ بِهِ مِنْ تَعْجِيلِ نَقْدِهِ في تَخْفيفِ الْكِرَاءِ عَنْهُ، وَقَدْ يَنَالُ بِتَعْجِيلِ نَقْدِهِ مَا طَلَبَ إنْ تَمَّ لَهُ الْمَاءُ وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ لَهُ الْمَاءَ رَدَّ عَلَيْهِ نَقْدَهُ، فَصَارَ مَرَّةً سَلَفًا إنْ لَمْ يُتِمَّ وَمَرَّةً بَيْعًا إنْ تَمَّ فَصَارَا مُخَاطِرَيْنِ بِمَا حَطَّ رَبُّ الْأَرْضِ مِنْ كِرَاءِ أَرْضِهِ لِمَا انْتَفَعَ بِهِ مِنْ تَعْجِيلِ النَّقْدِ وَلِمَا ازْدَادَ النَّاقِدُ بِتَعْجِيلِ نَقْدِهِ فيمَا حُطَّ عَنْهُ مِنْ الْكِرَاءِ إنْ تَمَّ لَهُ الْمَاءُ غَبَنَ صَاحِبَهُ وَأَدْخَلَ عَلَيْهِ تَعْجِيلَ نَقْدِهِ مَنْفَعَةً. وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ لَهُ غَبَنَ وَرَجَعَ إلَيْهِ مَالُهُ سَلَفًا، وَلَمْ يُدْخِلْ عَلَيْهِ مَالُهُ مَنْفَعَةً، وَلَعَلَّ ذَلِكَ يَجُرُّ الْمُعَامَلَةَ بَيْنَهُمَا لِلرِّفْقِ الَّذِي يَأْمُلُهُ مِنْهُ آخِذُهُ وَيَنْتَفِعُ بِهِ نَاقِدُهُ، وَهَذَا الْبَابُ كُلُّهُ في كَرَاهَتِهِ النَّقْدَ في بَيْعِ الْخِيَارِ وَبَيْعِ الْعُهْدَةِ وَبَيْعِ الْمُوَاضَعَةِ وَشِرَاءِ السِّلْعَةِ الْحَاضِرَةِ تُؤْخَذُ إلَى أَجَلٍ بِنَقْدٍ، وَفي شِرَاءِ الْعَبْدِ الْغَائِبِ الْبَعِيدِ الْغَيْبَةِ، وَفي إجَارَةِ الْعَبْدِ بِعَيْنِهِ وَالرَّاحِلَةِ بِعَيْنِهَا تُؤْخَذُ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ، وَالْأَرْضِ غَيْرِ الْمَأْمُونَةِ قَبْلَ أَنْ تُرْوَى أَوْ بَعْدَ مَا تُرْوَى إذَا كَانَ رَيًّا غَيْرَ مُبْلِغٍ فَخُذْ هَذَا الْأَصْلَ عَلَى هَذَا وَنَحْوُهُ أَنَّهُ يَكُونُ مَرَّةً بَيْعًا وَمَرَّةً سَلَفًا. وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَلَفٍ جَرَّ مَنْفَعَةً، وَنَهَى عَنْ الْخَطَرِ فَكُلُّ هَذَا قَدْ اجْتَمَعَ في هَذَا الْأَصْلِ، وَمَا كَانَ مِنْ الْمَاءِ الْمَأْمُونِ مَنْ اكْتَرَى الْأَرْضَ الْمَأْمُونَةَ أَوْ اشْتَرَاهَا أَوْ الدَّارَ، وَإِنْ تَأَخَّرَ قَبْضُ مَا اشْتَرَى أَوْ اكْتَرَى أَوْ كَانَ مَا اشْتَرَى أَوْ اكْتَرَى في قُرْبٍ أَوْ بُعْدٍ وَانْتَقَدَ فيهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ لَمْ يَعْمَلْهُ صَاحِبَاهُ وَإِنْ وَقَعَ في شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَدَثٌ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْحَدَثِ وَالْمُخَاطَرَةِ حَتَّى يَزْدَادَ بِهِ مَا ازْدَادَ في سَلَفِهِ وَيَأْخُذَ بِهِ النَّاقِدُ الْمُشْتَرَى في شِرَائِهِ وَصُنْعِهِ وَلَا حَذَرَ مِنْ قَدَرٍ، وَلَكِنَّ شَفَقَةَ النَّاسِ في هَذَا لَيْسَ سَوَاءً، فَخُذْ هَذَا الْأَصْلَ عَلَى هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. .في الرَّجُلِ يُكْرِي أَرْضَ الْخَرَاجِ أَوْ أَرْضَ الصُّلْحِ فَتَعْطَشُ أَوْ تَغْرَقُ: قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَتَكَارَى الْأَرْضَ فَتَعْطَشُ فَلَا يُتِمُّ زَرْعَهَا أَوْ تَغْرَقُ فيمْنَعُهُ الْمَاءُ مِنْ الْعَمَلِ؟ فَقَالَ: لَا كِرَاءَ لِصَاحِبِهَا، فَكَذَلِكَ أَرْضُ مِصْرَ عِنْدِي إنَّمَا هُوَ كِرَاءٌ مِنْ السُّلْطَانِ فَإِنْ جَاءَ غَرَقٌ أَوْ عَطَشٌ لَمْ أَرَ عَلَى مَنْ زَرَعَ كِرَاءً إذَا لَمْ يُتِمَّ الزَّرْعَ مِنْ الْعَطَشِ. قُلْت: فَأَرْضُ الصُّلْحِ الَّتِي صَالَحُوا عَلَيْهَا إذَا زَرَعُوا فَعَطِشَ زَرْعُهُمْ أَتَرَى عَلَيْهِمْ خَرَاجَ أَرْضِهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إذَا كَانَ الصُّلْحُ وَضِيعَةً عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى أَنَّ عَلَى الْأَرْضِ خَرَاجًا مَعْرُوفًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ. .في الرَّجُلِ يَكْتَرِي الْأَرْضَ سِنِينَ فيرِيدُ أَنْ يَغْرِسَ فيهَا: قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَكِنْ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ الَّتِي تَكَارَاهَا إنَّمَا هِيَ أَرْضُ زَرْعٍ فَأَرَادَ أَنْ يَغْرِسَهَا شَجَرًا فَإِنْ كَانَ الشَّجَرُ أَضَرَّ بِالْأَرْضِ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الشَّجَرُ أَضَرَّ بِالْأَرْضِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في الرَّجُلِ يَتَكَارَى الْبَعِيرَ لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ الْحِمْلَ مِنْ الصُّوفِ أَوْ الْبَزِّ أَوْ الْكَتَّانِ فيرِيدُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْحُمُولَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ حَمَلَ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ هُوَ أَضَرَّ مِنْ الَّذِي اكْتَرَى الْبَعِيرَ لَهُ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهِ مَا هُوَ أَضَرُّ بِهِ وَإِنْ كَانَ في مِثْلِ وَزْنِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ عِنْدِي. .(في الرَّجُلِ يَكْتَرِي الْأَرْضَ سِنِينَ فيغْرِسُهَا فَتَنْقَضِي السُّنُونَ): قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَأْجَرْت أَرْضًا سِنِينَ مُسَمَّاةً فَغَرَسْتُ فيهَا شَجَرًا فَانْقَضَتْ السُّنُونَ، وَفيهَا شَجَرِي فَاكْتَرَيْتُهَا كِرَاءً مُسْتَقْبَلًا سِنِينَ أَيْضًا أَيَجُوزُ هَذَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَأْجَرْت أَرْضًا سِنِينَ فَأَكْرَيْتُهَا مِنْ غَيْرِي فَغَرَسَ فيهَا شَجَرًا فَانْقَضَتْ السُّنُونَ وَفيهَا غَرْسُهُ فَاكْتَرَيْتُهَا أَنَا مِنْ رَبِّهَا سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً أَيَجُوزُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا. قُلْت: فَكَيْفَ أَصْنَعُ فيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا الْآخَرِ الَّذِي فيهَا غَرْسُهُ؟ قَالَ: يُقَالُ لِرَبِّ الْغَرْسِ: ارْضِ هَذَا الَّذِي اكْتَرَى الْأَرْضَ أَوْ اقْلَعْ غَرْسَكَ، وَهَذَا رَأْيِي. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ حَتَّى يَتَعَامَلَ رَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْغَرْسِ عَلَى مَا يَجُوزُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يُكْرِي أَرْضَهُ إلَّا أَنْ يُكْرِيَهُ الْأَرْضَ عَلَى أَنْ يَقْلَعَ عَنْهُ الشَّجَرَ. .(في الرَّجُلِ يَكْتَرِي الْأَرْضَ سِنِينَ فَتَنْقَضِي السُّنُونَ وَفيهَا غَرْسُهُ): قُلْت: أَرَأَيْت إنْ كَانَ مَوْضِعُ الْغَرْسِ زَرْعًا أَخْضَرَ؟ قَالَ: لَا يُشْبِهُ الزَّرْعُ الشَّجَرَ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ إذَا انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَقْلَعَ الزَّرْعَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ كِرَاءُ أَرْضِهِ، وَفي الشَّجَرِ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَقْلَعَ الشَّجَرَ، فَإِذَا كَانَ فيهَا زَرْعٌ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ فَانْقَضَتْ الْإِجَارَةُ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُكْرِيَهَا مَا دَامَ زَرْعُ هَذَا فيهَا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ قَدْ لَزِمَتْ هَذَا الَّذِي زَرْعُهُ فيهَا بِكِرَائِهَا إلَّا أَنْ يُكْرِيَهَا إلَى تَمَامِ الزَّرْعِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مَأْمُونَةً. .(في الرَّجُلِ يَكْتَرِي أَرْضَهُ سِنِينَ فَتَنْقَضِي السُّنُونَ وَفيهِ زَرْعٌ): قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ انْقَضَتْ السُّنُونَ وَفي الْأَرْضِ زَرْعٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ لِلَّذِي اكْتَرَى الْأَرْضَ فَأَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَشْتَرِيَ الزَّرْعَ؟ قَالَ: لَا يَحِلُّ هَذَا. قُلْت: مَا فَرْقُ مَا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الَّذِي اشْتَرَى الْأَرْضَ وَفيهَا زَرْعٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ فَاشْتَرَى الْأَرْضَ وَالزَّرْعَ جَمِيعًا لِمَ جَوَّزْتَ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا سُنَّتُهُ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ في هَذَا مِلْكٌ وَاحِدٌ. قُلْت: وَالْأَرْضُ إذَا بِيعَتْ بِأَصْلِهَا وَفيهَا زَرْعٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ فَبِيعَتْ بِزَرْعِهَا؟ قَالَ: فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ النَّخْلِ إذَا بِيعَتْ وَفيهَا ثَمَرٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ. قُلْت: فَاَلَّذِي يَبِيعُ الْأَرْضَ، وَفيهَا زَرْعٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ لِمَنْ الزَّرْعُ؟ قَالَ: لِلزَّارِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ مُشْتَرِي الْأَرْضَ. قُلْت: وَهَذَا يُفَارِقُ النَّخْلَ إذَا لَمْ تُؤَبَّرْ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّ النَّخْلَ إذَا لَمْ تُؤَبَّرْ فَثَمَرَتُهَا لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا، وَهَذِهِ السُّنَّةُ عِنْدَنَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَهُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ الْمَزْرُوعَةُ إذَا لَمْ يَنْبُتْ زَرْعُهَا كَانَتْ مِثْلَ النَّخْلِ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ، وَإِذَا نَبَّتَتْ الزَّرْعَ كَانَتْ مِثْلَ النَّخْلِ الْمَأْبُورِ سَبِيلُهُمَا وَاحِدٌ وَسَنَتُهُمَا وَاحِدَةٌ. .(في الرَّجُلِ يَكْتَرِي أَرْضَهُ سِنِينَ فَتَنْقَضِي السُّنُونَ وَفيهَا غَرْسُ الْمُكْتَرِي): قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ انْقَضَتْ السُّنُونَ، وَفيهَا غَرْسُ هَذَا الْمُتَكَارِي فَقَالَ رَبُّ الْأَرْضِ: أَنَا أَصَالِحُك عَلَى أَنْ أَتْرُكَ شَجَرَكَ في أَرْضِي عَشْرَ سِنِينَ أُخْرَى عَلَى أَنْ يَكُونَ لِي نِصْفُ الشَّجَرِ وَلَك نِصْفُ الشَّجَرِ؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ هَذَا. قُلْت: لِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ أَكْرَاهُ الْأَرْضَ بِنِصْفِ هَذَا الشَّجَرِ عَلَى أَنْ يَقْبِضَ ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ عَشْرِ سِنِينَ فَإِنَّهُ لَا خَيْرَ في هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَسْلَمُ الشَّجَرُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ أَمْ لَا؟ قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: هَذَا رَأْيِي. قُلْت: إنْ أَعْطَاهُ نِصْفَ الشَّجَرِ السَّاعَةَ عَلَى أَنْ يُقِرَّ النِّصْفَ الْآخَرَ لِلْمُتَكَارِي؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهَذَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: إذَا كَانَ لِلْمُتَكَارِي قَبْضُ نِصْفِ الشَّجَرِ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ أَقَرَّهَا، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَبْضِ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ أَجَلِ الْكِرَاءِ فَلَا خَيْرَ فيهِ.
|