الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)
.فيمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ حَيَاتَهُ وَبِمَا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِهِ لِآخَرَ: فَأَصَابُوا الْعَبْدَ الَّذِي أَوْصَى الْمَيِّتُ بِخِدْمَتِهِ هُوَ الثُّلُثُ؟ قَالَ: أَرَاهُ إذَا أُنْفِذَتْ الْخِدْمَةُ، فَأَرَاهُ لِلَّذِي أَوْصَى لَهُ بِبَقِيَّةِ الثُّلُثِ - زَادَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَوْ نَقَصَتْ - لِأَنَّهُ كَانَ ثُلُثَ الْمَيِّتِ يَوْمَ أُخْرِجَ، فَإِنَّمَا الْقَضَاءُ فيهِ يَوْمَ أُخْرِجَ وَقُوِّمَ وَسَمِعْتُ مَالِكًا وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: دَارِي حَبْسٌ عَلَى فُلَانٍ حَيَاتَهُ وَمَا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِي فَلِفُلَانٍ، فَكَانَ الثُّلُثُ كَفَافَ الدَّارِ. أَتَرَى لِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِبَقِيَّةِ الثُّلُثِ إذَا رَجَعَتْ الدَّارُ أَنْ يَرْجِعَ في الدَّارِ؟ قَالَ: نَعَمْ أَرَى أَنْ يَرْجِعَ في الدَّارِ فيأْخُذَهَا كُلَّهَا، لِأَنَّ الدَّارَ بَقِيَّةُ الثُّلُثِ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا قَالَ: غُلَامِي يَخْدُمُ فُلَانًا حَيَاتَهُ وَمَا بَقِيَ مِنْ ثُلُثٍ فَلِفُلَانٍ. قَالَ مَالِكٌ: يُعْطَى صَاحِبُ الْخِدْمَةِ الْغُلَامَ كُلَّهُ، فَإِنْ رَجَعَ الْغُلَامُ يَوْمًا مَا رَجَعَ الْمُوصَى لَهُ بِبَقِيَّةِ الثُّلُثِ فيأْخُذُ بِبَقِيَّةِ الثُّلُثِ. قُلْت: وَيَأْخُذُ الْغُلَامَ كُلَّهُ أَمْ لَا؟ قَالَ: نَعَمْ أَرَى أَنْ يَأْخُذَهُ كُلَّهُ. قُلْت: وَيَكُونُ الْعَبْدُ لِهَذَا الَّذِي أَوْصَى لَهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ إذَا كَانَ قِيمَةُ الْعَبْدِ الثُّلُثَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَرَى أَنْ يَأْخُذَهُ كُلَّهُ إذَا رَجَعَ. .فيمَنْ أَوْصَى بِوَصَايَا وَبِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ: قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَنْظُرُ كَمْ قِيمَةُ ثُلُثِ الْمَيِّتِ وَإِلَى مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ الْوَصَايَا، فيتَحَاصُّونَ في ثُلُثِ الْمَيِّتِ يُحَاصُّ لِلْمَسْجِدِ بِقِيمَةِ الثُّلُثِ، وَلِلْوَصَايَا بِمَا سَمَّى لَهُمْ في الثُّلُثِ، فَمَا صَارَ لِلْمَسْجِدِ مِنْ ذَلِكَ في الْمُحَاصَّةِ وُقِفَ لَهُ وَاسْتُصْبِحَ بِهِ فيهِ حَتَّى يُنْجَزَ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، فَقَالَ مَالِكٌ فيهَا هَذَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ. قَالَ سَحْنُونٌ: وَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى الْمَيِّتُ بِشَيْءٍ لَيْسَ لَهُ غَايَةٌ وَلَا أَمَدٌ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَعْطُوا الْمَسَاكِينَ كُلَّ يَوْمٍ خُبْزَةً، أَوْ قَالَ اسْقُوا كُلَّ يَوْمٍ رَاوِيَةَ مَاءٍ في السَّبِيلِ، فَهَذَا كَأَنَّهُ إنَّمَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ، فَإِنَّمَا يُحَاصُّ لِهَذَا بِالثُّلُثِ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ قَدْ أَوْصَى مَعَ هَذَا بِوَصَايَا. قَالَ سَحْنُونٌ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ إلَى النَّاسِ بِغَيْرِ أَجَلٍ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَعْطُوا الْمَسَاكِينَ دِرْهَمًا كُلَّ يَوْمٍ، أَوْ كُلَّ شَهْرٍ وَلَمْ يُؤَجِّلْ، فَإِنَّهُمْ يُضْرَبُ لَهُمْ بِالثُّلُثِ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ قَدْ أَوْصَى مَعَهُمْ بِوَصَايَا. .في خَلْعِ الثُّلُثِ مِنْ الْوَرَثَةِ إذَا لَمْ يُجِيزُوا: قَالَ: يُقَالُ لِلْوَرَثَةِ: أَسْلِمُوا إلَيْهِ سُكْنَاهَا وَإِلَّا فَاقْطَعُوا لَهُ بِثُلُثِهَا بَتْلًا. قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: بَلَغَنِي عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ مِثْلُهُ. سَحْنُونٌ: وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ. قُلْت: فَإِنْ أَوْصَى أَنْ يُؤَاجِرَ أَرْضَهُ مِنْ فُلَانٍ سِنِينَ مُسَمَّاةً بِكَذَا وَكَذَا، فَنَظَرُوا إلَى الْأَرْضِ فَكَانَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ؟ قَالَ: فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْوَرَثَةِ: أَسْلِمُوا مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ الْمَيِّتُ بِالْكِرَاءِ الَّذِي قَالَ، فَإِنْ أَبَوْا قِيلَ لَهُمْ: فَأَخْرِجُوا لَهُ مِنْ ثُلُثِ الْمَيِّتِ بَتْلًا بِغَيْرِ ثَمَنٍ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَوْصَى بِوَصَايَا - وَلِلْمَيِّتِ مَالٌ حَاضِرٌ وَمَالٌ غَائِبٌ - أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِرَجُلٍ وَبِالرُّبُعِ الْآخَرِ وَبِالسُّدُسِ الْآخَرِ؟ قَالَ: يُقَالُ لِلْوَرَثَةِ: أَجِيزُوا، فَإِنْ أَبَوْا كَانَ ذَلِكَ لَهُمْ وَيُقَالُ لَهُمْ: ابْرَءُوا إلَيْهِمْ مِنْ ثُلُثِ الْمَيِّتِ مِنْ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ إذَا خَرَجَ، فيتَحَاصُّ أَهْلُ الْوَصَايَا في ثُلُثِ هَذَا الْعَيْنِ بِقَدْرِ وَصَايَاهُمْ، فَإِذَا خَرَجَ الدَّيْنُ أَخَذُوا ثُلُثَهُ فيتَحَاصُّونَ فيهِ أَيْضًا بِقَدْرِ وَصَايَاهُمْ. قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ في الرَّجُلِ يُوصِي لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَلَهُ دُيُونٌ، وَلَيْسَ فيمَا تَرَكَ مِنْ الْمَالِ الْحَاضِرِ مَا تَخْرُجُ الْمِائَةُ مِنْ ثُلُثِهِ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: يُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ، فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ يُعْطُوهُ الْمِائَةَ وَيَجْعَلُوهَا لَهُ، وَإِلَّا قَطَعُوا لَهُ بِثُلُثِ الْمَيِّتِ في الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ، فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُكَ إذَا أَبَوْا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ قِيلَ لَهُمْ: ابْرَءُوا بِثُلُثِ الْمَيِّتِ إلَيْهِمْ حَيْثُمَا كَانَ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ تَرَكَ مِائَةَ دِينَارٍ عَيْنًا وَمِائَةَ دِينَارٍ دَيْنًا، وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِخَمْسِينَ دِينَارًا مِنْ الْعَيْنِ، وَأَوْصَى لِرَجُلٍ آخَرَ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا مِنْ الدَّيْنِ، مَا قَوْلُ مَالِكٍ في هَذَا؟ قَالَ: يُقَالُ لِلْوَرَثَةِ: أَجِيزُوا، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يُجِيزُوا قِيلَ لَهُمْ: أَخْرِجُوا لِأَهْلِ الْوَصَايَا مِنْ ثُلُثِ الْمَيِّتِ في الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ، وَيُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْأَرْبَعِينَ الدِّينَارِ الدَّيْنِ الَّتِي أَوْصَى بِهَا الْمَيِّتُ لِهَذَا الرَّجُلِ مَا تُسَاوِي السَّاعَةَ نَقْدًا، فَإِنْ قَالُوا: تُسَاوِي السَّاعَةَ نَقْدًا عِشْرِينَ دِينَارًا كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ، لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخَمْسِينَ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ الْحَاضِرِ، وَالدَّيْنُ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ. وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْأَرْبَعِينَ مِنْ ثُلُثِ الدَّيْنِ وَالْمَالِ سَهْمَانِ، فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُكَ، يَقْتَسِمُونَ ثُلُثَ الْمَيِّتِ في الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِدَيْنٍ لَهُ فَلَمْ يَحْمِلْ ذَلِكَ الثُّلُثُ، أَبَى الْوَرَثَةُ أَنْ يُجِيزُوا قَطَعُوا لَهُ مِنْ الْعَيْنِ الدَّيْنِ مَبْلَغَ الثُّلُثِ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أُوصِيَ لَهُ بِنَقْدٍ فَلَمْ يَكُنْ فيمَا تَرَكَ الْمَيِّتُ مِنْ النَّقْدِ مَا يُخْرِجُ وَصِيَّتَهُ مِنْ ثُلُثِهِ النَّقْدِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ: قَدْ عَالَ وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْعَيْنِ وَبَلَغَهَا في أَخْذِ الْعَرْضِ خُيِّرَ الْوَرَثَةُ، فَإِنْ أَجَازُوا لَهُ مَا أَوْصَى لَهُ مِنْ النَّقْدِ وَإِلَّا قِيلَ لَهُمْ: أَخْرِجُوا لَهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ حَيْثُمَا كَانَ. قُلْت: وَأَصْلُ هَذَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ عَالَ فيهَا عَلَى الثُّلُثِ وَأَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ في الْعَيْنِ الْحَاضِرِ، فَأَبَتْ الْوَرَثَةُ أَنْ يُجِيزُوا ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْوَرَثَةِ أَخْرِجُوا لِأَهْلِ الْوَصَايَا مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ حَيْثُمَا كَانَ فيكُونُ لِأَهْلِ الْوَصَايَا ثُلُثُ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ عَقَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ إلَّا في خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّ مَالِكًا قَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فيهَا. قَالَ لَنَا فيهَا قَوْلَانِ: إذَا أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِدَابَّةٍ بِعَيْنِهَا وَالثُّلُثُ لَا يَحْمِلُهُ، فَأَبَتْ الْوَرَثَةُ أَنْ يُجِيزُوا، فَإِنَّهُمْ يُقَالُ لَهُمْ: ادْفَعُوا إلَيْهِ مَبْلَغَ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ في الْعَبْدِ أَوْ الدَّابَّةِ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُ وَقَعَتْ فيهِ. وَقَدْ قَالَ مَرَّةً أُخْرَى: يَبْرَءُونَ إلَيْهِ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ حَيْثُمَا كَانَ، فَهُوَ أَكْثَرُ مَا سَمِعْتُ مِنْهُ وَأَحَبُّ قَوْلِهِ إلَيَّ أَنْ يُقْطَعَ لَهُ بِثُلُثِ الْمَيِّتِ في ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي أَوْصَى لَهُ بِهِ الْمَيِّتُ. .فيمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ الْعَيْنِ وَثُلُثِ مَالِهِ الدَّيْنِ: قَالَ: هَذَا جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ. قُلْت: أَلَا تَرَى هَذَا الْمَيِّتَ هَهُنَا قَدْ أَوْصَى لِهَذَا الَّذِي قَدْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ الْعَيْنِ أَكْثَرَ مِمَّا أَوْصَى لِلْمُوصَى بِثُلُثِ الدَّيْنِ؟ قَالَ: وَمَا تُبَالِي كَانَ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ؛ لِأَنَّكَ إنَّمَا تُعْطِيهِ وَصِيَّتَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ تُعْطِي صَاحِبَ الْعَيْنِ وَصِيَّتَهُ مِنْ الْعَيْنِ وَصَاحِبَ الدَّيْنِ وَصِيَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ وَهُوَ ثُلُثُ الْمَيِّتِ. .فيمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ وَمَالٌ غَائِبٌ: قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُوقَفُ الْعَبْدُ حَتَّى يَجْتَمِعَ الْمَالُ الْحَاضِرُ وَالْغَائِبُ، فَإِذَا اجْتَمَعَ الْمَالُ قُوِّمَ الْعَبْدُ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ مَبْلَغُ الثُّلُثِ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الْعَبْدُ: الْمَالُ الْغَائِبُ بَعِيدٌ عَنَّا، أَوْ أَجَلُهُ أَجَلٌ بَعِيدٍ، فَأَعْتِقُوا مِنِّي مَبْلَغَ ثُلُثِ هَذَا الْمَالِ الْحَاضِرِ وَأَوْقِفُوا مِنِّي مَا بَقِيَ حَتَّى يُنْظَرَ في الْمَالِ الْغَائِبِ، فَإِنْ خَرَجَ أَعْتَقْتُمْ مِنْهُمْ مَا يَحْمِلُ الثُّلُثُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ كُنْتُ قَدْ عَتَقَ مِنِّي مَبْلَغُ ثُلُثِ الْمَالِ الْحَاضِرِ، لِأَنِّي أَتَخَوَّفُ تَلَفَ الْمَالِ الْحَاضِرِ؟ قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى لَهُ ذَلِكَ. قَالَ سَحْنُونٌ: إلَّا أَنْ يَكُونَ في ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى الْمُوصِي وَالْمُوصَى لَهُ فيمَا يَشْتَدُّ وَجْهُ مَطْلَبِهِ وَيَعْسُرُ جَمْعُ الْمَالِ وَيَطُولُ ذَلِكَ. .فيمَنْ أَوْصَى بِوَصَايَا وَلَا يَحْمِلُ ذَلِكَ الثُّلُثُ: قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُحَاصُّ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ بِوَصِيَّةِ الرَّجُلِ الَّذِي رَدَّ وَصِيَّتَهُ أَهْلُ الْوَصَايَا فيأْخُذُونَ وَصِيَّتَهُ فيقْسِمُونَهَا مَعَ مِيرَاثِهِمْ. قُلْت: أَفيكُونُ لِلرَّجُلَيْنِ ثُلُثَا الثُّلُثِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَالَ غَيْرُهُ: لِأَنَّهُ أُدْخِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمَاتَ وَدَرَجَ وَالْوَصِيَّةُ عِنْدَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا رَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ رَجَعَ مَا كَانَ لَهُ إلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ فَكَانَ لِلْوَرَثَةِ مُحَاصَّةُ الْبَاقِينَ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ دَخَلُوا مَدْخَلَ الرَّادِّ، وَقَدْ كَانَ الرَّادُّ لَوْ لَمْ يَرُدَّ لَحَاصَّهُمْ، فَلَمَّا رَدَّ وَقَعَتْ الْوَرَثَةُ مَوْقِعَهُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَدْخَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى صَاحِبِهِ، وَهَذَا قَوْلُ الرُّوَاةِ لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فيهِ اخْتِلَافًا. ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَبِيعَةَ وَأَبِي الزِّنَادِ أَنَّهُمَا قَالَا في الرَّجُلِ يُوصِي لِلرَّجُلِ بِثُلُثِ الثُّلُثِ أَوْ رُبُعِ الثُّلُثِ، وَلِآخَرِينَ بِعِدَّةِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ: إنَّهُمْ يَتَحَاصُّونَ جَمِيعًا في الثُّلُثِ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِرُبُعِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِخُمُسِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِنِصْفِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِعِشْرِينَ دِينَارًا، وَلِآخَرَ بِجَمِيعِ مَالِهِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِرُبُعِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِخُمُسِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِعِشْرِينَ دِينَارًا، فَانْظُرْ مَا تَبْلُغُ وَصِيَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَمَا تَبْلُغُ الْعِشْرُونَ دِينَارًا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ كَمْ هُوَ، فيضْرَبُ بِهَا في جَمِيعِ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ، وَيَضْرَبُ أَهْلُ الْوَصَايَا بِمَبْلَغِ وَصَايَاهُمْ في ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْمَالِ، أَنَّهُ يُضْرَبُ بِذَلِكَ في الثُّلُثِ. وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِالثُّلُثِ وَلِآخَرَ بِالنِّصْفِ وَلِآخَرَ بِعِشْرِينَ دِينَارًا، فَإِنَّكَ تَأْخُذُ لِلْجَمِيعِ سِتَّةَ أَسْهُمٍ، وَالنِّصْفُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَالثُّلُثُ سَهْمَانِ، وَتَنْظُرُ كَمْ مَالُهُ، فَإِنْ كَانَ مَالُهُ سِتِّينَ دِينَارًا كَانَ قَدْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ أَيْضًا، لِلْمُوصَى لَهُ بِالدَّنَانِيرِ لِأَنَّهَا عِشْرُونَ دِينَارًا فيضْرَبُ مَعَهُمْ في الثُّلُثِ بِسَهْمَيْنِ أَيْضًا، فيقْتَسِمُونَ الثُّلُثَ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا، فيكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ سِتَّةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمَانِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالدَّنَانِيرِ أَيْضًا سَهْمَانِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَحِسَابُ هَذَا عَلَى حِسَابِ عَوْلِ الْفَرَائِضِ سَوَاءٌ. قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ: وَمَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إلَّا عَلَى هَذَا. قَالَ سَحْنُونٌ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَدْخَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى صَاحِبِهِ وَانْتَقَصَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَا دَخَلَ عَلَيْهِ مِنْ وَصِيَّةِ صَاحِبِهِ وَفَضَّلَهُمْ في عَطِيَّتِهِ، فَهُوَ لَوْ كَانَ مَالُهُ مِائَةَ دِينَارٍ فَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةٍ وَلِآخَرَ بِخَمْسِينَ وَلِآخَرَ بِعِشْرِينَ، فَقَدْ فَضَّلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَأَدْخَلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَانْتَقَصَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ. قَالَ سَحْنُونٌ: وَهَذَا قَوْلُ الرُّوَاةِ كُلِّهِمْ لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فيهِ اخْتِلَافًا. .فيمَنْ أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِرَجُلٍ وَثُلُثِ مَالِهِ لِآخَرَ فَمَاتَ الْعَبْدُ وَقِيمَتُهُ الثُّلُثُ: قَالَ: بِثُلُثِ الْمَالِ في قَوْلِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ مَرْزُوقًا حِينَ مَاتَ بَطَلَتْ وَصِيَّةُ الْمُوصَى لَهُ بِمَرْزُوقٍ، وَوَصِيَّةُ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثَابِتَةٌ. فَمَا بَقِيَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ لَهُ ثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ مَرْزُوقًا لَمَّا مَاتَ فَكَأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يُوصِ بِشَيْءٍ إلَّا بِثُلُثِ مَالِهِ لِهَذَا الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ. قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. سَحْنُونٌ: وَقَدْ أَعْلَمْتُكَ في صَدْرِ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يُقَوَّمُ مَيِّتٌ وَلَا يُقَوَّمُ عَلَى مَيِّتٍ، وَقَوْلُ رَبِيعَةَ فيهِ إنَّ حَقَّهُ قَدْ سَقَطَ، وَإِنَّ الَّذِي مَاتَ كَأَنَّ الْمُوصِي لَمْ يُوصِ فيهِ بِشَيْءٍ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِمَالٍ قَطُّ. .فيمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ وَبِأَشْيَاءَ بِأَعْيَانِهَا لِقَوْمٍ شَتَّى: قَالَ: يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي كَانَتْ بِأَعْيَانِهَا وَإِلَى ثُلُثِ جَمِيعِ مَالِهِ وَإِلَى رُبُعِ جَمِيعِ مَالِهِ، فيضْرِبُونَ في ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ، يَضْرِبُ أَصْحَابُ الْأَعْيَانِ في الْأَعْيَانِ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ في الَّذِي جَعَلَ لَهُ الْمَيِّتُ بِمَبْلَغِ وَصِيَّتِهِ، وَيَضْرِبُ أَصْحَابُ الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ في بَقِيَّةِ الثُّلُثِ يَكُونُونَ شُرَكَاءَ مَعَ الْوَرَثَةِ بِمَبْلَغِ وَصَايَاهُمْ. قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ هُوَ قَوْلُهُ. قُلْت: فَإِنْ هَلَكَتْ الْأَعْيَانُ الَّتِي أَوْصَى بِهَا كُلِّهَا، بَطَلَتْ وَصَايَا أَصْحَابِ الْأَعْيَانِ وَكَانَ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ بَيْنَ أَصْحَابِ الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ يَتَحَاصُّونَ في ذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. .فيمَنْ أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِرَجُلٍ وَبِسُدُسِ مَالِهِ لِآخَرَ: قَالَ: يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ ثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ ثُلُثُ الثُّلُثِ في هَذَا الْعَبْدِ، وَكَانَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالسُّدُسِ ثُلُثُ الثُّلُثِ فيمَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ، وَبِجَمِيعِ مَالِ الْمَيِّتِ يَكُونُ شَرِيكًا لِلْوَرَثَةِ بِالسُّبْعِ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ قِيمَةُ الْعَبْدِ الَّذِي أَوْصَى بِهِ نِصْفَ الثُّلُثِ وَقَدْ أَوْصَى لِآخَرَ بِالسُّدُسِ؟ قَالَ: يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ جَمِيعُ الْعَبْدِ، وَيَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ بِالسُّدُسِ وَصِيَّتَهُ فيمَا بَقِيَ يَكُونُ شَرِيكًا لِلْوَرَثَةِ بِخُمُسِ الْمَالِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. قَالَ سَحْنُونٌ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ: إنَّهُ يَكُونُ شَرِيكًا لِلْوَرَثَةِ بِالْخُمُسِ. وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ، وَعَلَى ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. .في الرَّجُلِ يُوصِي لِوَارِثٍ وَلِأَجْنَبِيٍّ: قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في رَجُلٍ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ لِأَجْنَبِيٍّ وَأَوْصَى لِوَارِثٍ أَيْضًا. قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَتَحَاصَّانِ، يُحَاصُّ الْوَارِثُ الْأَجْنَبِيَّ بِالْوَصِيَّةِ في الثُّلُثِ، ثُمَّ تَكُونُ حِصَّةُ الْوَارِثِ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يُجِيزُوا ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُكَ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَوْصَى لِوَارِثٍ وَغَيْرِ وَارِثٍ. فَقَالَ: ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ وَأَحَدُهُمَا وَارِثٌ وَمَعَهُ وَرَثَةٌ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا نَصِيبُ الْوَارِثِ مِنْ ذَلِكَ فَبَاطِلٌ يُرَدُّ إلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْوَارِثِ فَلَهُ نَصِيبُهُ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ لِوَارِثٍ وَأَوْصَى بِوَصِيَّةٍ لِأَجْنَبِيَّيْنِ وَلَمْ يَسَعْ ذَلِكَ الثُّلُثُ. قَالَ: إنْ كَانَ الْمَيِّتُ لَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا غَيْرَ الَّذِي أَوْصَى لَهُ، بُدِئَ بالْأجْنَبيِّينَ في الثُّلُثِ وَلَمْ يُحَاصُّهُمْ الْوَارِثُ بِشَيْءٍ مِنْ وَصِيَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْوَارِثِ وَارِثٌ غَيْرُهُ تَحَاصَّ الْوَارِثُ الَّذِي أَوْصَى لَهُ والأجنبيون في الثُّلُثِ، فَمَا صَارَ لِلْأَجْنَبِيِّينَ في الْمُحَاصَّةِ أُسْلِمَ إلَيْهِمْ، وَمَا صَارَ لِلْوَارِثِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ شُرَكَاءَهُ في مَالِ الْمَيِّتِ يُخَيَّرُونَ، فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ يُنْفِذُوا ذَلِكَ لَهُ أَنْفَذُوهُ، وَإِنْ أَبَوْا رَدُّوا ذَلِكَ فَاقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ. ابْنُ وَهْبٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ عَبْدُ الْجَلِيلِ بْنُ حُمَيْدٍ الْيَحْصُبِيُّ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ الْقُرَشِيَّ حَدَّثَهُمْ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَامَ الْفَتْحِ في خُطْبَتِهِ: لَا تَجُزْ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ». ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَقَالَ: «فَإِنْ أَجَازُوا فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا» ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حِبَّانَ اللَّيْثِيِّ عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ». ابْنُ وَهْبٍ عَنْ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ يَحْيَى بْنَ أَبِي أُنَيْسَةَ الْجَزَرِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدَّيْنُ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وَلَيْسَ لِوَارِثٍ وَصِيَّةٌ». ابْنُ وَهْبٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ في رَجُلٍ أَوْصَى بِثُلُثِهِ في سَبِيلِ اللَّهِ فَأَرَادَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ أَنْ يَغْزُوَ بِهِ. قَالَ: لَيْسَ بِذَلِكَ بَأْسٌ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ وَارِثًا لِمَنْ أَحَقُّ مَنْ خَرَجَ بِهِ إذَا أَذِنَ الْوَرَثَةُ وَطَيَّبُوا. قَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ في رَجُلٍ أَوْصَى بِثُلُثِهِ في سَبِيلِ اللَّهِ: فَإِنَّ وَلِيَّهُ يَضَعُهُ حَيْثُ يَرَى في سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنْ أَرَادَ وَلِيُّهُ أَنْ يَغْزُوَ بِهِ وَلَهُ وَرَثَةٌ غَيْرُهُ يُرِيدُونَ الْغَزْوَ فَإِنَّهُمْ يَغْزُونَ فيهِ بِالْحِصَصِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ. وَهُوَ يُرِيدُ الْغَزْوَ، فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ أَنْ يَسْتَنْفِقَ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ فيمَا وَضَعَ فيهِ. وَقَالَ رَبِيعَةُ في امْرَأَةٍ تُوُفيتْ وَأَوْصَتْ بِوَصِيَّةٍ لِبَعْضِ مَنْ يَرِثُهَا، وَأَوْصَتْ بِوَصِيَّةٍ في سَبِيلِ اللَّهِ، فَسَلَّمَ زَوْجُهَا الْوَصِيَّةَ لِلْوَرَثَةِ رَجَاءَ أَنْ يُعْطُوهُ الْوَصِيَّةَ الَّتِي في سَبِيلِ اللَّهِ لِأَنَّهُ غَازٍ، فَمُنِعَ الْوَصِيَّةَ الَّتِي في سَبِيلِ اللَّهِ فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ فيمَا أَجَازَ لِلْوَرَثَةِ مِنْ الْوَصِيَّةِ. قَالَ: لَا يَرْجِعُ فيمَا أَجَازَ، وَلَا يَحْتَجُّ في طَلَبِ رَدِّ مَا أَعْطَى لِرَجَاءِ شَيْءٍ لَمْ يُقْطَعْ إلَيْهِ وَلَمْ يُقَرَّ لَهُ. .فيمَنْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ: قَالَ: إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ أُنْفِذَ ذَلِكَ وَيَحُجُّ عَنْهُ مَنْ قَدْ حَجَّ أَحَبُّ إلَيَّ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَحَبُّ إلَيَّ إذَا أَوْصَى أَنْ يُنْفِذُوا مَا أَوْصَى بِهِ، وَلَا يُسْتَأْجَرُ لَهُ إلَّا مَنْ قَدْ حَجَّ وَكَذَلِكَ سَمِعْتُ أَنَا مِنْهُ. قَالَ: فَإِنْ اسْتَأْجَرُوا مَنْ لَمْ يَحُجَّ أَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُمْ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ دَفَعُوا وَصِيَّةَ هَذَا الْمَيِّتِ إلَى عَبْدٍ لِيَحُجَّ عَنْ هَذَا الْمَيِّتِ، أَيُجْزِئُ عَنْ الْمَيِّتِ؟ قَالَ: لَا، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ في هَذَا شَيْئًا، وَلَكِنَّ الْعَبْدَ لَا حَجَّ لَهُ، فَمِنْ ثَمَّ رَأَيْتُ أَنْ لَا يَحُجَّ عَنْ هَذَا الْمَيِّتِ وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ. قُلْت: فَالْمَرْأَةُ تَحُجُّ عَنْ الرَّجُلِ وَالرَّجُلُ عَنْ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ في هَذَا عِنْدَك بِمَنْزِلَةِ الْعَبِيدِ، لَا يَحُجُّونَ عَنْ مَيِّتٍ أَوْصَى بِحَجٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: فَمَنْ يَضْمَنُ هَذِهِ النَّفَقَةَ الَّتِي حَجَّ بِهَا هَذَا الْعَبْدُ عَنْ الْمَيِّتِ؟ قَالَ: الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ. قُلْت: وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعُوا إلَى عَبْدٍ أُوصِيَ لِيَحُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَا أَرَى أَنْ يَجُوزَ، وَأَرَى إنْ دَفَعُوا ذَلِكَ إلَى عَبْدٍ أُوصِيَ أَنْ يَضْمَنُوا ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا ظَنُّوا أَنَّهُ حُرٌّ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ وَاجْتَهَدَ الدَّافِعُ. قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ جَهْلُهُمْ بِاَلَّذِي يُزِيلُ الضَّمَانَ عَنْهُمْ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ هَذَا الْعَبْدُ نَفْسُهُ، أَوْ هَذَا الصَّبِيُّ نَفْسُهُ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ يُدْفَعَ ذَلِكَ إلَيْهِمَا فيحُجَّانِ عَنْ الرَّجُلِ إذَا أَذِنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ، أَوْ أَذِنَ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ، وَلَا تُرَدُّ وَصِيَّتُهُ مِيرَاثًا لِأَنَّ الْحَجَّ بِرٌّ، وَإِنْ حَجَّ عَنْهُ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ لِأَنَّ حَجَّةَ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ تَطَوُّعٌ. وَالْمَيِّتُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةً أَوْصَى بِحَجَّةٍ تَطَوُّعًا أُنْفِذَ ذَلِكَ، وَلَمْ تُرَدَّ وَصِيَّتُهُ إلَى الْوَرَثَةِ فَكَذَلِكَ هَذَا. قُلْت: أَرَأَيْتَ الصَّبِيَّ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ، وَأَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ أَنْ يَحُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ، أَيَجُوزُ إذْنُهُ؟ قَالَ: لَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا، إلَّا أَنْ يُخَافَ عَلَيْهِ في ذَلِكَ ضَيْعَةٌ أَوْ مَشَقَّةٌ مِنْ السَّفَرِ فَلَا أَرَى ذَلِكَ يَجُوزُ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا قُلْتهُ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَتَّجِرَ وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ جَازَ، وَلَوْ خَرَجَ في تِجَارَةٍ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ. فَإِذَا كَانَ هَذَا كَذَلِكَ، فَجَائِزٌ لَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا أَوْصَى إلَيْهِ الْمَيِّتُ بِذَلِكَ إذَا أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ وَكَانَ قَوِيًّا عَلَى الذَّهَابِ وَكَانَ ذَلِكَ نَظَرًا لَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَرَرٌ. قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِلْيَتِيمِ في هَذَا. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْوَلِيُّ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ يُوقَفَ الْمَالُ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّبِيُّ، فَإِنْ حَجَّ بِهِ الصَّبِيُّ وَإِلَّا رَجَعَ مِيرَاثًا. قُلْت: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذَا الَّذِي أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ هَذَا الصَّبِيُّ، عَلِمْنَا أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ التَّطَوُّعَ وَلَمْ يُرِدْ الْفَرِيضَةَ؟ قَالَ: وَلَوْ أَنَّهُ كَانَ ضَرُورَةً وَقَصَدَ قَصْدَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَقَالَ: يَحُجُّ عَنِّي فُلَانٌ، فَأَبَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فُلَانٌ. قَالَ: يَحُجُّ عَنْهُ غَيْرُهُ. قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. وَلَيْسَ التَّطَوُّعُ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْفَرِيضَةِ، وَهَذَا إذَا أَوْصَى بِحَجَّةِ تَطَوُّعٍ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ رَجُلٌ بِعَيْنِهِ فَأَبَى ذَلِكَ الرَّجُلُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ رُدَّتْ إلَى الْوَرَثَةِ سَحْنُونٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا تَرْجِعُ إلَى الْوَرَثَةِ وَالصَّرُورَةُ في هَذَا وَغَيْرُ الصَّرُورَةِ سَوَاءٌ لِأَنَّ الْحَجَّ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ نَفْسَهُ وَلَيْسَ مِثْلَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْمِسْكَيْنِ بِعَيْنِهِ وَلَا شِرَاءَ الْعَبْدِ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ تِلْكَ لَا قِوَامَ بِعَيْنِهِمْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمِثْلُ ذَلِكَ مِثْلُ الرَّجُلِ يَقْصِدُ قَصْدَ مِسْكِينٍ بِعَيْنِهِ فَقَالَ: تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ مِنْ ثُلُثِي، فَمَاتَ الْمِسْكِينُ قَبْلَ الْمُوصِي، أَوْ أَبَى أَنْ يَقْبَلَ، رَجَعَتْ مِيرَاثًا إلَى وَرَثَتِهِ. أَوْ قَالَ: اشْتَرُوا عَبْدَ فُلَانٍ بِعَيْنِهِ فَأَعْتِقُوهُ عَنِّي في غَيْرِ عِتْقٍ عَلَيْهِ وَاجِبٍ، فَأَبَى أَهْلُهُ أَنْ يَبِيعُوهُ، رَجَعَتْ الْوَصِيَّةُ مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ وَالْإِيَاسِ مِنْ الْعَبْدِ. قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: أَحِجُّوا فُلَانًا في حَجَّةِ وَصِيَّتِهِ وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي، أَيُعْطَى مِنْ الثُّلُثِ شَيْئًا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: يُعْطَى مِنْ الثُّلُثِ بِقَدْرِ مَا يَحُجُّ بِهِ إنْ حَجَّ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحُجَّ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ ثُمَّ يَقْعُدُ فَلَا يَحُجُّ، فَإِنْ أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَحُجَّ أُخِذَ مِنْهُ وَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ إلَّا أَنْ يَحُجَّ. .فيمَنْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَارِثٌ: قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: الْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ، وَيُعْطَى هَذَا الْوَارِثُ قَدْرَ النَّفَقَةِ وَالْكِرَاءِ، فَإِنْ كَانَ فيمَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ فَضْلٌ عَنْ كَرَائِهِ وَنَفَقَةِ مِثْلِهِ لَمْ يُعْطَ الْفَضْلَ، وَرُدَّ الْفَضْلُ إلَى الْوَرَثَةِ. قُلْت مَتَى سَمِعْتَ هَذَا مِنْ مَالِكٍ؟ أَرَاك تُخْبِرُ هَهُنَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُجِيزُ الْوَصِيَّةَ في الْحَجِّ وَيَأْمُرُ بِأَنْ تُنْفَذَ، وَقَدْ أَخْبَرْتَنِي أَنَّ مَالِكًا كَانَ يَكْرَهُ ذَلِكَ؟ قَالَ: إنَّمَا كَانَ يَكْرَهُهُ وَلَا يَرَى أَنْ يُفْعَلَ وَيَقُولُ: إذَا أَوْصَى بِهِ أُنْفِذَتْ الْوَصِيَّةُ وَلَمْ تُرَدَّ وَحَجَّ عَنْهُ، فَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي لَا نَعْلَمُهُ اُخْتُلِفَ فيهِ عِنْدَنَا. قُلْت: أَرَأَيْت هَذِهِ الْوَصِيَّةَ في الْحَجِّ الَّتِي تَذْكُرُ عَنْ مَالِكٍ، أَفَرِيضَةٌ هِيَ أَمْ نَافِلَةٌ؟ قَالَ: الَّذِي سَمِعْنَا مِنْ مَالِكٍ في الْفَرَائِضِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ أَوْصَى بِذَلِكَ في غَيْرِ فَرِيضَةٍ رَأَيْتَ أَنْ تَجُوزَ وَصِيَّتُهُ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَوْصَى هَذَا الْمَيِّتُ فَقَالَ: يَحُجُّ عَنِّي فُلَانٌ بِثُلُثِي، وَفُلَانٌ ذَلِكَ وَارِثٌ أَوْ غَيْرُ وَارِثٍ، كَيْفَ يَكُونُ هَذَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ وَارِثًا دُفِعَ إلَيْهِ قَدْرُ كَرَائِهِ وَنَفَقَتِهِ وَرُدَّ مَا بَقِيَ عَلَى الْوَرَثَةِ. قَالَ: وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ دُفِعَ إلَيْهِ الثُّلُثُ يَحُجُّ بِهِ عَنْ الْمَيِّتِ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الْمَالِ عَنْ الْحَجِّ شَيْءٌ فَهُوَ لَهُ يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ. قُلْت: لِمَ جَعَلَ مَالِكٍ لِهَذَا الرَّجُلِ مَا فَضَلَ عَنْ الْحَجِّ؟ قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يُدْفَعُ إلَى النَّفَقَةُ لِيَحُجَّ عَنْ رَجُلٍ فيفْضُلُ عَنْ حَجِّهِ مِنْ النَّفَقَةِ فَضْلَةٌ، لِمَنْ تَرَاهَا؟ قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانُوا اسْتَأْجَرُوهُ فَلَهُ مَا فَضَلَ، وَإِنْ كَانَ أُعْطِيَ عَلَى الْبَلَاغِ رَدَّ مَا فَضَلَ. قُلْت: فَسِّرْ لِي مَا الْإِجَارَةُ وَمَا الْبَلَاغُ؟ قَالَ: إذَا اسْتَأْجَرُوهُ بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا عَلَى أَنْ يَحُجَّ عَنْ فُلَانٍ فَهُوَ إجَارَةٌ، لَهُ مَا زَادَ وَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ. وَإِذَا قِيلَ لَهُ: خُذْ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ فَحُجَّ عَنْ فُلَانٍ عَلَى أَنَّ عَلَيْنَا مَا نَقَصَ عَنْ الْبَلَاغِ، أَوْ يُقَالُ لَهُ: خُذْ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ فَحُجَّ مِنْهَا عَنْ فُلَانٍ، فَهَذَا عَلَى الْبَلَاغِ لَيْسَتْ إجَارَةً. وَالنَّاسُ يَعْرِفُونَ كَيْفَ يَأْخُذُونَ إنْ أَخَذُوا عَنْ الْبَلَاغِ فَهُوَ عَلَى الْبَلَاغِ، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ ضَمِنُوا الْحَجَّ فَقَدْ ضَمِنُوا الْحَجَّ. .الْمَرِيضُ تَحِلُّ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالِهِ: قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ تَحِلُّ زَكَاةُ مَالِهِ، فيقْدَمُ عَلَيْهِ الْمَالُ مَنْ الْبَلَدِ الْغَائِبِ وَيَعْرِفُ أَنَّهُ قَدْ حَلَّتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالِهِ فيخْرِجُهَا وَهُوَ مَرِيضٌ، مِنْ أَيْنَ تَرَاهَا؟ أَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ مِنْ الثُّلُثِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا مَا تَبَيَّنَ هَكَذَا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ إنَّمَا أَخْرَجَ مَا حَلَّ عَلَيْهِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ يَأْتِيهِ الْمَالُ الْغَائِبُ أَوْ يَقْتَضِي الدَّيْنَ وَهُوَ مَرِيضٌ وَقَدْ حَلَّتْ فيهِ الزَّكَاةُ، فَأَرَاهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَيْسَ مِنْ الثُّلُثِ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَدِمَتْ عَلَيْهِ أَمْوَالٌ، قَدْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّ زَكَاتَهَا قَدْ حَلَّتْ عَلَيْهِ، وَاقْتَضَى دَيْنًا قَدْ حَلَّ زَكَاتُهُ عَلَيْهِ، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاتَهَا، أَتُجْبَرُ الْوَرَثَةُ أَوْ يُؤْمَرُونَ بِإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يُجْبَرُوا عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَطَّوَّعُوا بِذَلِكَ. .في الرَّجُلِ يُوصِي بِدِينَارٍ مِنْ غَلَّةِ دَارِهِ كُلَّ سَنَةٍ: قَالَ: يَرْجِعُ الْمُوصَى لَهُ بِالدَّنَانِيرِ عَلَى الْوَرَثَةِ في تِلْكَ الدَّنَانِيرِ الَّتِي أَخَذُوهَا مِنْ كِرَاءِ الدَّارِ أَوَّلَ سَنَةٍ، فيأْخُذُ مِنْهَا لِكُلِّ سَنَةٍ دِينَارًا حَتَّى يَسْتَوْفيهَا لِأَنَّهَا مِنْ كِرَاءِ الدَّارِ، وَلَكِنَّ كِرَاءَ الدَّارِ لَا شَيْءَ لِلْوَرَثَةِ مِنْهُ إلَّا بَعْدَمَا يَسْتَوْفي الْمُوصَى لَهُ دِينَارَهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَكْرَوْهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ في السَّنَةِ فَضَاعَتْ الدَّنَانِيرُ إلَّا دِينَارًا وَاحِدًا كَانَ هَذَا الدِّينَارُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالدِّينَارِ. قَالَ: وَلَوْ قَالَ: أَعْطُوا فُلَانًا مِنْ كِرَاءِ كُلِّ سَنَةٍ دِينَارًا، لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ تِلْكَ الْعَشَرَةِ الَّتِي أَكْرَوْهَا تِلْكَ السَّنَةَ إلَّا دِينَارٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ بَارَتْ الدَّارُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ انْهَدَمَتْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ تِلْكَ الدَّنَانِيرِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ لَهُ الْمَيِّتُ مِنْ كِرَاءِ كُلِّ سَنَةٍ دِينَارًا. قَالَ: وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ حَبَسَ عَلَى رَجُلٍ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ تَمْرِ حَائِطِهِ في كُلِّ عَامٍ، فَمَضَى لِلنَّخْلِ سَنَتَانِ تُصِيبُهَا الْجَوَائِحُ لَا يَدْفَعُونَ مِنْهَا شَيْئًا، ثُمَّ أَثْمَرَ في السَّنَةِ الثَّالِثَةِ فَجَذُّوا مِنْهَا ثَمَرًا كَثِيرًا. فَقَالَ مَالِكٌ: يُعْطَى لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ لِكُلِّ سَنَةٍ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ يُبْدَأُ بِهَا عَلَى الْوَرَثَةِ، فَإِنْ كَانَتْ كِفَافًا أَخَذَهَا. وَإِنْ أَوْصَى فَقَالَ: أَعْطُوهُ مِنْ غَلَّةِ كُلِّ سَنَةٍ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، فَمَضَى لِلنَّخْلِ سَنَتَانِ يُصِيبُهَا الْجَوَائِحُ لَا يَدْفَعُونَ مِنْهَا شَيْئًا، ثُمَّ أَثْمَرَتْ في السَّنَةِ الثَّالِثَةِ. قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَبْدَأُ عَلَى الْوَرَثَةِ فيأْخُذُ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ كَانَ كَفَافًا أَخَذَهَا وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ في ثَمَرَةِ الْعَامِ الثَّانِي قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ مِنْ نُقْصَانِ الْعَامِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ في الْعَامِ الْأَوَّلِ فَضْلٌ عَنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ كَانَ لِلْوَرَثَةِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْوَرَثَةِ مِنْ نُقْصَانِ الْعَامِ الثَّانِي شَيْءٌ مِمَّا أَخَذُوا مِنْ الْفَضْلَةِ في الْعَامِ الْأَوَّلِ.
|