الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الخبر عن دولة آل زيري بن مناد ولاة العبيديين من هذه الطبقة بإفريقية وتصاريف أحوالهم. .دولة بلكين بن زيري. وبرزوا جميعا بقياطينهم إلى سبتة وبعثوا الصريخ إلى المنصور بن أبي عامر فخرج بعساكره إلى الجزيرة الخضراء وأمرهم بمن كان في حضرته من ملوك زناتة ورؤسائهم النازعين إلى خلفاء الأموية بالأندلس بقرطبة بالمقام في سبيل الطاعة واغتنام فضل الرباط بثغور المسلمين في إيالة الخلفاء واجتمعت منهم وراء البحر أمم مع ما انضم إليهم من العساكر والحشود وأجازهم البحر لقصر جعفر بن علي بن حمدون صاحب المسيلة وعقد له على حرب بلكين وأمده بمائة حمل من المال فتعاقد ملوك زناتة واجتمعوا إليه وضربوا مصاف القتال بظاهر سبتة وهرع إليهم المدد من الجزيرة من عساكر المنصور وكادوا يخوضون البحر من فرائض الزقاق إلى مظاهرة أوليائهم من زناتة ووصل بلكين إلى تيطاوير وتسنم هضابها وقطع شعوبها لنهج المسالك والطرق لعسكره حتى أطل على معسكرهم بظاهر سبتة فأرى ما هاله واستيقن امتناعهم. ويقال إنه لما عاين سبتة من مستشرفه ورأى اتصال المدد من العدوة إلى معسكرهم بها قال: هذه أفعى فغرت إلينا فاها وكر راجعا على عقبه وكان موقفه ذلك أقصى أثره ورجع إلى البصرة فهدمها وكانت دار ملك ابن الأندلسي وبها عمارة عظيمة ثم انفتح له باب في جهاد برغواطة فارتحل إليهم وشغل بجهادهم وقتل ملكهم عيسى بن أبي الأنصار كما نذكره وأرسل بالسبى إلى القيروان وأذهب دعوة بني أمية من نواحي المغرب وزناتة مشردون بالصحراء إلى أن هلك سنة ثلاث وسبعين وثلثمائة بواركش ما بين سجلماسة وتلمسان منصرفا من هذه الغارة الطويلة. .دولة منصور بن بلكين. ثم رحل بلكين إلى رقاده وفتك بعبد الله بن الكاتب عامله وعامل أبيه على القيروان لهنات كانت منه وسعايات انجحت فيه فهلك سنة تسع وسبعين وثلثمائة وولي مكانه يوسف بن أبي محمد وكثر الواتر بكتابه فقتلهم وأثخن فيهم حتى أذعنوا وأخرج إليهم العمال وعقد لأخيه حماد على أشير وطالت الفتنة مع زناتة ونزل إليه منهم سعيد بن خزرون ولم يزل سعيد يعطيه إلى أن هلك سنة إحدى وثمانين وثلثمائة وولى ابنه فلفول بن سعيد وخالف أبو البهار بن زيري سنة تسع وسبعين وثلثمائة فزحف إليه المنصور وفر بين يديه إلى المغرب وأمد المنصور أهل تاهرت ومضى في أتباع أبي البهار حتى نفد عسكره وأشير عليه بالرجوع فرجع وبعث أبو النهار إلى أبي عامر صاحب الأندلس في المظاهرة والمدد واسترهن ابنه في ذلك فكتب زيري بن عطية صاحب دعوة الأموية من زناتة بفاس أن يكون معه يدا واحدة فظاهره زيري واتفق رأيهما مدة وحاربهما بدر بن يعلى فهزماه وملكا فاس وما حولها ثم اختلفت ذات بينهما سنة اثنتين وثمانين وثلثمائة ورجع أبو النهار إلى قومه ووفد على المنصور سنة اثنتين وثمانين وثلثمائة بالقيروان فأكرمه ووصله وأنزله أحسن نزل وعقد له على تاهرت ثم هلك المنصور سنة خمس وثمانين وثلثمائة.
|